قصة اغتيال فضيلة بقلم سناء جعفر _مجلة الشفق

مجلة الشفق


بدات تباشير الفجر تظهر في هذا اليوم الصيفي الحار .. الساعة تقترب من الرابعة والنصف صباحاً .. الهدؤ يلف القرية الوادعة المستكينة على ضفاف النيل الا من اصوات مختلطة يتردد صداها من بعيد فلا تميز منها الا صياح ديك عجول او ازيز حشرات بدات نشاطها في الحقول المتناثرة على اطراف القرية ... صوت تكسر المياه الكسول على الضفة يتناغم بصورة مبهمة مع رائحة الطين ويخلق عطراً مميزاً للمكان ... تعالى صوت الآذان من المسجد الوحيد بالقرية مبدداً الصمت وناشراً الطمانينة .. بدات الاضواء تلمع في اماكن متفرقة من البيوت المتناثرة هنا وهناك وفي الدروب الضيقة بدات خطوات مسرعة تتسابق وتحايا متبادلة بين المتجهين الى المسجد ...نفس الوجوه المالوفة التي تترافق يومياً بكل ود وسماحة نفس .. في منزل الاستاذ محمد زين كانت الاسرة كلها مستيقظة الا الصغير احمد الذي قاوم كل محاولات شقيقته صفاء لايقاظه من نومه العميق .. الانوار مضاءة اكثر من المعتاد .. ونشاط محموم يعم المنزل الصغير ...

روايات رومانسية للتحميل _ روايات عربية 
" يا ست البنات ناوليني الجلابية سريع عشان ما اتاخر على الصلاة "
بصوته الجهوري العميق نادى محمد زين على زوجته التي اتت مسرعة وهي تحمل الجلابية البيضاء بحرص بعد ان رشتها بعطر المسك ..."
معليش يا محمد بس كنت بافتش في فتيل المسك الولد احمد دة معذبني فيه عذاب شديد خلاص ... وكل ما ادسه منه يفتشه ويشيله الا صحيته عشان اساله "
نظر محمد زين الى زوجته باعزاز كبير وحبس انفاسه وهو يتطلع الى مفاتنها التي ما زالت تثير احساسه برغم مرور خمسة وعشرين عاماً على زواجهما وانجاب اربعة اطفال .. في كل مرة كأنه يراها لاول مرة امراة فاتنة بكل ما تحمل الكلمة من معنى ... جمالها الموروث من اصول اجداها الاتراك كان واضحا في العيون الواسعة بلون العسل الصافي والانف الحاد والبشرة المخملية وشلالات الشعر البني الداكن التي تتدلى من راسها حتى خصرها .. كانت تملك قواماً بديعاً قاوم علامات الزمن وظل كما هو منذ ان تزوجها ... فقال لها بحنو الاب المشفق على صغيره
" ليه صحيتيه يا ست البنات ما كان ضروري المسك " ..
لحظتها اطلت ابنته فضيلة من الباب وهي تحمل العصا والطاقية
" لا يا ابوي خلي يصحوه عشان تاني ما يدس الفتيل "
نظر الاستاذ محمد زين الى ابنته بفخر واشفاق وغامت عيناه من الحنو والحزن فاليوم ولاول مرة خلال سنوات عمرها البالغة ثمانية عشر عاماً سوف تغادر فضيلة المنزل وتسافر الى العاصمة لدخول الجامعة .. فابنته الجميلة سوف تلتحق بكلية القانون حسب رغبتها وامنيتها .. انها اول فرد من اسرته الصغيرة يلتحق بالجامعة .. وتذكّر بحسرة ابنه البكر عبد الرحمن الذي فضل العمل على الدراسة ليعينه على تحمل اعباء الحياة وتربية اخوته الصغار فقرر ان يجرب حظه في الاغتراب بعد حصوله على الشهادة الثانوية .. وبمعونة شقيقه المقيم في السعودية منذ فترة طويلة حصل على عمل براتب جيد كمدير اعمال احدى الاميرات التي وثقت في حسن اخلاقه فكانت تاخذه معها في حلها وترحالها المتواصل عبر العالم مما حرمه من الحصول على اجازة والعودة الى السودان لمدة ثلاث سنوات متواصلة ..اعادته الى الواقع هزة ناعمة من يد زوجته
" يلا يا محمد حتتاخر على الصلاة " فنظر الى ابنته بعيون مليئة بدموع حبيسة امسكها حياء "
انشاء الله حادعي ليك يا فضيلة الليلة اكتر من اي يوم تاني .. يلا انتي بعد ما تصلي اجهزي عشان ميعاد القطر ورسلي احمد يشوف اماني جهزت ولا لسة.. وانت يا ست البنات حضري ليهم الزوادة للطريق انا جبت البيض والطحنية والمربة "
فتنهدت ست البنات شفقة على زوجها الحبيب " طيب يا محمد انت امشي لانو اقامة الصلاة بدت" وخرج محمد زين مسرعاً تلاحقه نظرات ست البنات الملهوفة .. لقد احبت هذا الرجل منذ اول لقاء لاعينهما .. كان استاذ الرياضيات الجديد المنقول الى مدرستهم حيث تعمل هي مدرسة لغة عربية .. بدا شاباً خجولاً وسيماً ... اكثر ما لفت انتباهها اليه كان تفاديه النظر اليها .. وتعامله معها كبقية زميلاتها دون ان ينبهر بجمالها الذي يدير الرؤس ويجعل معظم الرجال يتصرفون بطريقة غريبة في حضورها .. تصارعت المدرسات العازبات للفوز بهذا القادم من العاصمة .. اما هي فقد كانت موقنة بانه لها دون غيرها .. وخلال سنة كانت زوجته وام طفله عبد الرحمن ... سالته بعد فترة من زواجهما لماذا كان يتفادى النظر اليها ؟ ... فاجابها ان جمالها اذهله.. وحبها شغفه من اول نظرة فتفادى النظر حتى لا تفضحه عيناه ...
أتاها صوت احمد آخر العنقود في اسرتها وهو يصيح محتجاً " يا امي شوفي فضيلة دي عاوزاني امشي لاماني هسة .. أنا باخاف الحوش مضلم "
فردت ست البنات بحنان دافق " معليش يا احمد اجري بالنفاج سريع وتعال انا باقيف ليك في باب الحوش انت مش عارف فضيلة مسافرة الليلة ؟ .. اسمع كلامها وما تتعبها زي كل يوم "
" طيب بس انا جعان وعاوز آكل " من الغرفة الاخرى اتى صوت صفاء الابنة المشاكسة التي يحلو لها مناكفة اخيها الاصغر طوال الوقت " بسم الله الرحمن الرحيم في زول من الفجر يقول جعان ؟ انت يا ولد بطنك دي فيها شنو ؟ "
وبدا احمد ردا سريعا ولكن ست البنات انتهرته بقسوة مفتعلة " بس يا عيال خلاص عاوزين تبدوا النقة من هسة " انتي يا صفاء ما ليك دعوة باخوك .. وانت يا احمد امشي شوف اماني سريع "
ونادت فضيلة شقيقها الصغير الذي تحس بالامومة تجاهه بصوتها الحنون
" حمودي لو مشيت شفت اماني حتجي تلقاني عملت ليك البسكويت باللبن البتحبه "
تهللت اسارير احمد بفرح طفولي وقفز مسرعاً الى الخارج وهو يتمتم " يا سلام عليك يا فضيلة انا ما عارف انتي عاوزة تسافري ليه ؟ مش كنتي تقعدي هنا وتخلي صفاء الفقر دي تمشي بدلك ؟" وركض بسرعة قبل ان يتسنى لصفاء الرد عليه ... التفتت ست البنات لابنتيها " يلا يا بنـات الصـلاة .. اتوضوا سريع وتعالوا نصلي قبل ما ابوكم يجي”
ومضى الوقت مسرعاً بعد حضور الاستاذ محمد زين من المسجد وتعالى صوت اماني الحاد من الحوش " أنا جيت يا خالتي ست البنات عاوزة شاي باللقيمات "
نشات اماني في بيت الاستاذ منذ نعومة اظفارها .. كانت كابنة ثالثة لهم ترافقت مع فضيلة منذ الروضة دخلا نفس المدارس وجلسا في نفس الكنبة توطدت العلاقة منذ ان انتقل اهلها للسكني في البيت الملاصق لبيت الاستاذ وبحكم تشابه السن تصادقتا منذ اول يوم ولم تكونا تفترقان الا وقت النوم وعندما بلغت الفتاتان مبلغ النساء قرر الاهل فتح نفاج بين البيتين تفاديا لخروج البنات الى الشارع .. فصارت اماني تقضي جل وقتها مع فضيلة ... اضافة لتعلقها المفرط بفضيلة .. كانت اماني تحمل سراً دفيناً في صدرها .. فقد تعلق قلبها بعبد الرحمن منذ ان عرفت معنى الاحساس وكتمت سرها خوفا وخجلا حتى عن صديقتها الحميمة .. لكن قرار سفر عبد الرحمن كشف سترها .. وفضحتها دموعها وحزنها ولوعتها على الفراق الوشيك .. وعرف الجميع ما تكنه اماني من حب وكانت مباركة صامتة من طرفي الاهل حتى يتمكن عبد الرحمن من جمع ما يؤهله للزواج ...
وبرغم الصداقة المتينة التي ربطت بين الفتاتين .. الا ان اماني لم تكن تملك دفع الغيرة التي تشعر بها احيانا من جمال فضيلة الفتان .. خصوصاً عندما تتم المقارنة بينهما من قبل الاخرين .. فقد كانت تبدو كالظل الباهت الذي يسير وراء الاصل ويكون دوماً متاخراً عنه بخطوات ...
بصورة عامة كانت اماني حلوة التقاطيع مقبولة الشكل ... خفيفة الروح .. قوامها جميل لكنه يفتقد تلك الهالة الانثوية الطاغية التي تميز فضيلة عن غيرها من البنات .. لم تكن من المتفوقات شانها شان صديقتها لكنها كانت تجتهد وتثابر حتى تستطيع مجاراة فضيلة التي لم تبخل عليها بوقتها او مجهودها وكانت تجلس معها بالساعات الطوال لتشرح لها معضلات الرياضيات او قواعد النحو والبلاغة .. وعند اعلان نتيجة الشهادة الثانوية تجلت جهود فضيلة في مجموع اماني الذي اهلها لدخول نفس كلية صديقتها في الجامعة العريقة بالعاصمة ..
احضرت ست البنات الشاي باللبن وصحون اللقيمات الحار وجلس الجميع يتسامرون لحين موعد القطار .. بعدها استقل الجميع السيارة البوكس الخاصة بالاستاذ محمد زين وتوجهوا الى المحطة .. ساد الصمت الا من صوت القرآن الصادر من مذياع السيارة .. وسالت دموع ست البنات غزيرة وهي تتامل ابنتها المغادرة الى مكان لا تامنه وعالم لا تعرفه ... فبادلتها فضيلة النظرات وبدات بالبكاء ... وانتقلت العدوى الى الجميع ... وفي لحظات تعالت اصوات البكاء حتى نهرهم الاستاذ من مقعده وهو بالكاد يحبس دموعه ...لفت الموكب الحزين انظار رواد المحطة في هذا الوقت المبكر .. ولكن اكثر النظرات توجهت نحو ست البنات ومن ثم نحو فضيلة بجمالها المثير الذي زادته دموعها فتنة .. وتبعت اماني النظرات بتامل وحسرة وهمست الى نفسها ...
" يا الله حتى وهي بتبكي سمحة شديد والناس بتعاين ليها يا حليلك يا اماني مهما عملتي ما بتحصليها
تعالت صافرة القطار لتعلن الرحيل وكانت فضيلة تنتقل من حضن الى آخر حتى استكانت بين ذراعي والدها الذي همس في اذنها بصوت مبحوح
" ودعتك الله يا بتي ... خلي بالك من نفسك ومن صاحبتك .. انا عارفك عاقلة ورزينة .. ما تخلي اي شئ يشغلك من الدراسة عاوز اكون فخور بيك وترفعي راسي لمن تجيني شايلة الشهادة ويقولوا بتي بقت محامية .. حافظي على صلاتك لانه انتي هناك براكي بس ربنا هو البيحميك ويحافظ عليك ولو في اي شئ وفي اي وقت بس اضربي تلفون تلقيني عندك مسافة السكة ولو احتجتي قروش في اي وقت اتصلي وما تشيلي هم انتي عارفة اخوك ما مقصّر معانا "
كانت فضيلة تومئ براسها للرد على وصايا ابيها فقد احتبس صوتها في حلقها من شدة المها وحزنها على فراق اسرتها .. وانطلق القطار وبدات رحلة فضيلة الى المجهول ...
الفصل الثاني

رن الهاتف النقال بإلحاح متواصل مبدداً سكون الغرفة الشاسعة المفروشة باللونين الزهري والأبيض ... كل ما فيها يدل على الترف والأنوثة ابتداء من الفرش الحرير مروراً بالستائر المزركشة وانتهاء بالإضاءة الهادئة التي انعكست بنعومة على وجه الفتاة المستلقية في السرير العريض وهي تحمل بين أصابعها النحيلة ذات الأظافر الطويلة المطلية باللون الأحمر القاني سيجارة رفيعة ... كانت تتأمل حلقات الدخان التي تنفثها من فمها الصغير الباهت .. بالقرب منها امتلأت الطفاية بالأعقاب ... رمقت الهاتف بنظرة لا مبالية .. داست عقب السيجارة ومدت يدها لتخرج أخرى من العلبة الغالية الثمن الموضوعة على الكمودينو بجانب السرير .. تنهدت براحة عندما صمتت النغمة الراقصة لإحدى الأغنيات المشهورة .. وما هي الا برهة وجيزة حتى تعالى الرنين مرة أخرى هذه المرة من نقالها الآخر.. قطبت حاجبيها الرفيعين على شكل الرقم ثمانية رفعت رأسها إلى ساعة الحائط المواجهة لسريرها .. نظرت إلى الاسم على الشاشة العريضة لهاتفها وضغطت على الزر بغضب
" عاوز شنو يا فتاح ؟؟ يا اخي انا مش ابيت ارد عليك في الرقم الاول ؟؟ بتتصل تاني ليه ؟؟ وبعدين انا مش حذرتك قبل كدة انك ما تستخدم الرقم دة خالص ؟؟ وقلت ليك الرقم دة للشغل وبس ؟؟ لكن انت ما غلطان ... غلطانة انا الاديتك ليه "
فوجئ عبد الفتاح باللهجة الغاضبة لكنه التزم ببروده المشهور ورد عليها بصوت عابث
" اهلاً يا ساريا .. كيفك ؟؟ شنو يعني دة جزاي عشان متصل اسال عليك ؟؟
ردت عليه ساريا بعصبية " تسال علي الساعة اتنين ونص صباحاً ؟؟ ليه الدنيا حصل فيها شنو ؟؟"
يا اخي جيتي على بالي واشتقت ليك .. شنو يا زولة كفرنا يعني ؟؟
تنهدت سارية بغيظ فقد استطاع اسلوب صديقها عبد الفتاح البارد ان يطفئ نار غضبها فتغيرت لهجتها "
طيب يا مشتاق وش الفجر .. اخبارك شنو ؟؟ وعلى الفور اندفع فتاح كما يحلو لساريا مناداته في الحديث عن مواضيع يعلم انها سوف تثير اهتمام صديقته الملولة ..
" اها وبعد ما اديتك الشمارات كلها عاوز اسالك الجامعة فتحت ليها اسبوعين وانتي مسجلة غياب شنو ما ناوية تجي ولا شنو ؟؟ ""
أها " كلمة اعتادت ساريا استخدامها لتظهر عدم اهتمامها باي موضوع لا ترغب في الحديث فيه " ما عندي مزاج أجي ... وبعدين انت عارف اول ايام دي كلام فارغ ... يمكن اجي الاسبوع الجاي كيف الجماعة كلهم ؟؟" رد فتاح بحبور " بيسالوا عليك سؤال الضهبان ...
ضحكت سارية بصوت رفيع حاد " غايتو انت عمرك ما حتخلي طريقتك البلدي دي في الكلام ؟؟ شنو الضهبان دي ؟؟
" يا زولة هي بلا بلدي بلا افرنجي .. مش بلدي ؟؟بعد دة كله البنات كلهن مكسرات فيني " وهنا تعالت ضحكات سارية ... عبد الفتاح عبد العزيز تعرفه منذ نعومة اظفارها .. فقد ربطت شراكة عمل بين والده ووالدها وامتدت العلاقة بين الاسر حتى صاروا كعائلة واحدة ... منذ البداية انجذب عبد الفتاح نحو ساريا واختار صداقتها عوضاً عن صداقة اخوانها الاولاد ... فقد وجد فيها روحاً متمردة وشقاوة قلما تتواجد في البنات .. اعتادت ان تشاركهم العابهم الصبيانية وتتجنب الاختلاط باخواته البنت على عكس شقيقتها الصغرى (سهى) التي كانت تتجه فوراً الى غـرفة البنات ...بمرور الايام تنامت علاقتهما ولكن في اطار الصداقة .. لم تراود عبد الفتاح اية خيالات عاطفية تتعلق بها وكان ينظر اليها وكانها احد اصدقائه الاولاد .. تعود ان يحكي لها كل اسراره ويناقشها في ادق تفاصيله بلا حرج ... وفي مرحلة المراهقة قرر ان يجرب اول قبلة معها ... ولم يحاول اعادة الكرة .. تركيب ساريا الجسدي الشبيه بالاولاد جعلها ابعد ما تكون عن فتاة احلام عبد الفتاح برغم تقاربهما الملحوظ خلال سنوات الدراسة الممتدة وحتى دخولهما الجامعة سوياً
" أها اخبار الدفعات الجديدة شنو يا فتاح ؟؟ ما لقيت فيها فتاة الاحلام ؟؟
وكأن عبد الفتاح كان ينتظر هذا السؤال " وووب علي يا سروية .. ما شفتي الدفعة الجديدة بتاعت حقوق فيها شئ ما بتوصف .. قنبلة .. صاروخ ... لغم .." ضحكت ساريا التي اعتادت وصف صديقها للفتيات الجميلات ...
" يعني اسمح من بت الطب بتاعت السنة الفاتت ؟؟"ما انت قلت عليها نفس الاوصاف ؟؟
رد فتاح باندفاع " لا لا لا دي شئ عجيب حاجة غريبة جمال ما طبيعي عندها وش لوحة بس ... جسم سبحان من خلق وتجلى يا زولة هيي دي بت ما فيها حاجة غلط زي ما بيقولوا ( شعر وقعر )
انكمشت ساريا قليلاً عند سماع الوصف .. وارتفعت يدها لا شعورياً الى شعرها القصير المقصوص باتقان حتى حدود اذنيها .. ونظرت الى نفسها في المرآة المقابلة لسريرها وهي تعكس صورتها الكاملة في قميصها الحريري القصير الذي يلتصق بجسدها مظهراً غياب اية تضاريس انثوية وكاشفاً عن ذراعين نحيلتين وصدر صغير كحبات الليمون .. وكل ما يليه ضامراً ونحيلاً ... كان صوت فتاح الملئ بالحماس ياتيها بصخب من السماعة المتدلية من اذنها ...
دي يا سروية ما حصلت قبل كدة في الجامعة .. احنا هسة لينا كم سنة ؟؟ مش ثلاثة سنين ؟؟ لغاية الان الشارع الريئسي دة ما مشت فيه حاجة بتشبهها ... انا سالت عليها واتطقست بطريقتي الخاصة وعرفت انو اسمها فضيلة محمد زين عمرها 18 سنة جاية من الاقاليم قرية كدة ما عارف اسمها شنو في النيل الابيض ... دخلت بنسبة كبيرة شديد وباين عليها شاطرة شديد .. دايما معاها واحدة عرفت انها صحبتها الروح بالروح وجوا مع بعض اسمها اماني وهم عاملين زي تيمان برقوا اصلهم ما بيتفرقوا ... اماني ما سمحة زي فضيلة لكن يعني ما بطالة ...
وظل سيل كلمات الاطراء مندفعاً من فم فتاح مما اثار غيرة ساريا فقاطعته بصوت يموج بالغضـب " يعني الجامعة كلها مكسرة ولا شنو ؟؟!"
رد فتاح بنفس الحماس "مكسرة ساكت ؟؟ والله احلف ليك في ناس بقوا يعسكروا في الشارع مخصوص عشان يشوفوها ... لكن يا ساريا هي رزينة وتقيلة وما شغالة باي زول .. تخيلي انها ما حاسة بالعالم دة كله وماخدة الموضوع جد خالص من المحاضرة للداخلية وبالعكس .. ما بتتكلم الا مع زميلاتها في المدرج والبنات بس مختصرة الاولاد شديد"
سالت ساريا بفضول " ودي أمجد ما شافها ؟؟ فلتت منه كيف لغاية هسة ؟؟"
فصمت عبد الفتاح فترة ثم رد بصوت جاد " ما عشان كدة انا اتصلت بيك يا ساريا ... أمجد عمل المستحيل عشان يلفت نظرها ورسل ليها البنات البعرفهم كلهم عشان يتكلم معاها .. لكن هي رفضت سارية انا صاحبك وزي اخوك صح ؟؟ كان سؤاله مؤلماً كطعنة في القلب لكنها ردت بخفة " طبعا احنا اصحاب واخوان " ساريا البت دي عجبتني شديد وعشان انا عارفك لو اتدخلتي في الموضوع دة بتقدري تعملي حاجات كتيرة .. ارجوك يا ساريا ما تتدخلي لصالح امجد .. ما تخلي امجد يوصل ليها قبلي .. انتي عارفة امجد لو وصل ليها حيعمل فيها شنو .. انا امبارح سمعته بيتكلم مع مها وسالها منك وقال حيتصل بيك الليلة عشان تتصرفي .. عليك الله يا ساريا لو بتعزيني جد حاولي تبعديه منها باي طريقة "
أحست سارية بالم حارق في حلقها من لهجة فتاح المتوسلة .. اعتادت اهتمامه السطحي بالبنات وكانت احيانا تدبر له المواعيد وتهيئ له المكان وعلى خلاف الاخرين كانت تقدم له خدماتها بلا مقابل ليقينها بانه سوف ينساهن بعد ان ينال غرضه منهن ولحرصها على ان تكون كل علاقاته عن طريقها ... كانت تختار له البنات حسب ذوقها ممن تضمن ولاءهم لها وكانت تشتري هذا الولاء اما بالمال او التهديد بالفضيحة .. هذه اول مرة يختار فيها فتاح فتاة بدون وساطتها ... اول مرة يبدي اهتماماً شديداً لدرجة ان يطلب منها ابعاد أمجد عن الطريق .. امجد البصيري ..صديقه اللدود جمعتهم الجامعة .. وربطت بينهم الظروف المشتركة .. فكلاهما من اسر ثرية وذات نفوذ .. وكلاهما يتمتعان بقدر كاف من الوسامة .. كان التنافس بينهما محتدماً ومستمراً ... ومستتراً ... كان منصب والد امجد الحكومي الرفيع يعطيه ميزة اضافية عن صديقه عبد الفتاح الذي اثرى والده بصورة مفاجئة مع بدايات عهد الانقاذ في السودان وسرت اشاعات كثيرة عن المصدر المفاجئ لامواله ... لكن لا احد توصل الى الحقيقة الكاملة وتضاربت التكهنات بين غسيل امول الى تجارة سلاح ومخدرات..
اها يا ساريا قلتي شنو ؟؟"
اعاد سؤال فتاح المتلهف ساريا الى ارض الواقع ... حاولت ان تخفي جمودها باصطناع الحماس
" ما عندك مشكلة يا فردة ... انا بكرة .. ولا هو الليلة .. حاجي الجامعة عشان اشوف معبودة الجماهير دي ونلقى ليها مدخل ... ما تخاف الزمن دة كل زول عنده مدخل ... وكل زول عنده تمن و لو ناوي تدخل في منافسة مع امجد تقّل جيبك انت عارفو بيدفع كيف بالذات لمن البت تدخل راسه وتعصلج معاه"
"رد فتاح بصوت مصدوم " لا يا ساريا انا فضيلة دي بالذات ما عاوزها بالطريقة دي .. قلت ليك البت عجبتني جد ولو لقيت طريقة اتكلم معاها بعيد عن الجامعة يمكن افكر جادي ارتبط بيها "
احست ساريا بما يشبه الاغماء من وقع كلمات فتاح لكنها تمالكت نفسها وردت ببرود لم تستطع اخفاؤه " خلاص يا فتاح ما تنق كتير هسة خليني انوم عشان بكرة اقدر اجي الجامعة واشوف الموضوع .. يلا باي "
واغلقت الخط قبل ان تسمع رده ... اشعلت سيجارة .. وضغطت على الهاتف وانتظرت الرد ...اتاها صوت مها النائم "أيـوة منو ؟؟" ردت عليها ساريا بحدة " شنو المنو يا مرض انتي ؟؟ بكرة الصباح مري علي بدري انا حامشي الجامعة "
ردت مها بدهشة "ساريـا ؟؟!! بسم الله مالك ؟ في شنو ؟؟ صرخت ساريا بصوت هستيري " ما عاوزة كلام كتير بكرة مريني بدري فاهمة ؟ " واغلقت الهاتف ... وتاهت افكارها في التدبير ليوم غد ...
القصة كاملة من هنا 

إرسال تعليق

0 تعليقات