رواية لأجلك مُعذبتى
رواية للكاتبة هند حامد
حب مقيد لا خلاص منه ولا سبيل للنسيان ..
عاشق متيم لا يقوى على الاعتراف خشية الرفض ..
إجبار وتضحية ..
حب مكتوم في قلبه منذ الصغر ..
فهل هناك سبيل للتغلب على الخوف والاعتراف ؟؟
الفصل الاول :
آه من قلب كسير مجروح .. وآه من حب مات فى قلبي قبل أن يولد يا معذبتي .. أعرف أني لا استحقك .. اعرف أنك تستحقين من هو أفضل مني الف مرة .. ولكنني احبك .. احبك والابتعاد عنك فيه موتي .. خائف أن اطلبك لتكوني إلى جواري فترفضينني .. تعوقني كرامتي ويعوقني وضعي ..
أغلق دفتره وهو يتنهد بألم ناظرا من نافذة غرفته .. وهناك رآها وتقافزت نبضاته بجنون وهو يري الشعر الغجري بني اللون القصير يتطاير بجانب رأسها بفعل النسيم العليل وهي تفتح نافذتها تستقبل جمال الصباح الذي لا يضاهيها جمالا فى عينيه .. تجعدت زوايا عيناه بيأس وهي يتذكر كيف كان أقرب ابناء عمومتها إليها رغم فارق السن بينهما قبل أن ...
طرقات خافتة على باب غرفته جذبته جذبا من دوامة ذكرياته تبعها دخول امه بابتسامة حنون وهي تقول بصوتها العذب :
- صباح الخير
التفت اليها مبتسما بإشراق وهمس وهي تقترب لتقبل جبهته بحنان :
- صباح النور امي ..
اتسعت ابتسامتها وهي تهتف به كي يتبعها :
- هيا إلى الفطور يا ليث .. جدك ينتظرك
تبعها والابتسامة لا تفارق شفتيه .. سيري حبيبته الآن إذن لما التأخير ؟! ..
رحبت به جميع العائلة على مائدة الافطار .. تنهد ليث بداخله بصمت .. يعلم انه لن يسلم من تلك النظرات اللعينة كل يوم .. أهو خطأه أنه راض بقدره غير متمرد على إرادة ربه .. بعضهم ينظرون اليه بشفقة .. واخرون بعطف .. وقلائل من ينظرون اليه بتشفي .. تبا لهم جميعا ..
- كيف حالك اليوم يا ليث
"سأكون بخير إن كففتم عن نظراتكم المشفقة وكأنها ستعيد ما فات مثلا " هكذا فكر بسخط ولكنه ابتسم هو الآخر مجاملا جده ورد :
- بخير ..
كما اجتمع الجميع للفطور انفض الجميع كل إلى عمله بينما بقى ليث مكانه يرمق حديقة المنزل من النافذة بلا تعبير ..
يشعر بالأسي ..
الحزن .. بالتأكيد نعم .. ولكنه قضاء الله وهو راض .. سنوات طويلة .. طويلة للغاية .. وهو حبيس كرسي متحرك .. لا يخرج من المنزل إلا قليلا .. يظهر للناس أنه مبتهج بينما روحه كسيرة .. موجوعة .. وقلبه .. وآه من مالكة قلبه .. مجنونته الصغيرة .. عسلية العينين غجرية الشعر .. رآها تقترب فهربت إحدى نبضات قلبه .. جائته مبتسمة فانتقلت إليه عدوى الابتسام تلقائيا .. جلست على الكرسي امامه وهي تقول بمرح :
- كيف حال ليثنا اليوم ؟
اومأ مبتسما لعينيها وهو يقول :
- بخير يا إيلي كيف حالك انت ؟
قالت بمشاكسة :
- أفضل منك بالتأكيد
ثم مطت شفتيها بتبرم وهي تقول :
- وأخبرتك ألف مرة أن اسمي هو إيلين وليس إيلي
ضحك بعمق قبل أن يهمس :
- وما دخلك انت بكيفية مناداتي لاسمك .. ألا يكفيك بأنني من اخترته
ظلت على تبرمها وهي تغمغم :
- نعم نعم سيدي فهمنا .. سيبقي جميلك فوق رأسي لاختيارك اسما لا أحبه
تقارب حاجباه دون أن يفقد ابتسامته وهو يقول :
- لماذا لا تحبين اسمك يا إيلي ؟ إنه يعني بريق الشمس ولهذا اخترته لأنه بلون عينيك
كتفت ذراعيها بتبرم وهي تغمغم :
- وهو يعني أيضا أجمل نساء العالم وأنا لست أجملهم
بل أنت أجملهم فى عيناي يا إيلي ..
ولكن كلماته ماتت على طرف لسانه وهو يعلم انها أن لاحظت عليه حبه فستفقد عفويتها معه .. سمعها تشهق بخفوت وكأنها تذكرت شيئا فنظر إليها وجدها تعض على شفتيها بتردد .. فقال وهو ينظر إليها بعين خبيرة :
- ماذا تريدين أن تقولي يا أيلين ؟
همست بتردد :
- مممم اريد أن ممم
ضحك بخفوت ونظر إليها مستفهما .. فمدت هي يديها تقبض على كفه بيديها الرقيقتين وهي تهمس بابتسامة مترددة :
- لماذا ترفض إجراء الجراحة يا ليث ؟
انتزع كفه من بين كفيها بعنف مفاجئ وهو يتراجع بكرسيه ليوليها ظهره قائلا بغضب :
-لا تتحدثي فى الموضوع مرة أخري .. أخبرتك أنك لا تفهمين أسبابي ولن تفهمي أبدا
لم تستلم هي وقامت من مكانها لتدور حول كرسيه لتجلس أمامه على ركبتيها قائلة بإصرار
- ولكن فرصة نجاح الجراحة كبيرة يا ليث .. أرجوك فلتجرب ولن تخسر شيئا
تهكم بسخرية وهو يقول :
- لن أخسر شيئا ..
قالت بتصميم :
- بالتأكيد
مد يديه دون وعي يقبض على وجهها يرفع عينيها إليه قائلا بصوت مرتجف من بين أسنانه :
- بل سأخسر .. سأخسر نفسي .. سأخسر كل أمل لي في العودة للوقوف على قدماي مرة أخرى .. سأصاب بجرح جديد لن يلتئم ولو بعد دهور
ثم انتبه إلى نفسه فترك وجهها وهو يقبض أصابعه بتوتر :
- لهذا لا تفتحي الموضوع مرة أخري يا أيلين
تنهدت بحزن .. ابن عمها العنيد .. لقد طلبت منها أمه أن تحاول معه لأنها تعلم أن لإيلين معزة خاصة فى قلب ولدها ولكنه ما زال يرفض .. همست بحزن مس شغاف قلبه وهي تستقيم واقفة :
- بل أنت خائف يا ليث ..
قال بعنف مكبوت وبداخله يعلم أنه يكذب :
- لسة خائفاً
تنهدت مرة أخرى وهي تربت على كفه وتستعد للرحيل :
- فكر مرة أخرى يا ليث .. لقد أتعبت قلب امك معك
ثم رحلت وتركته ينظر فى أثرها واجما .. لا ولن يفكر أبدا فى إجراء الجراحة .. هو ليس غرا أو جبانا فقد أجرى الجراحة من قبل مرتين ولم يحقق أي نجاح يذكر ولن يعيد الكرة .. فليسامحهم الله جميعا لماذا لا يتركونه لحاله !!
*******
تتجمع العائلة كلها فى يوم واحد من الأسبوع فيما يشبه حفلة سمر .. يتضاحكون ويتناولون الطعام سويا .. كان اليوم الأسوأ بالنسبة لليث .. فهو بقدر حبه لعائلته بقدر كرهه للتجمعات العائلية اللزجة ..تبسم وهو يتذكر عبارة سمعها من قبل بأن كل الناس تتدخل فى حياة كل الناس بطريقة تغضب كل الناس .. هذا هو ملخص التجمعات العائلية .. والخالات والعمات يمطرن الفتيات بالأسئلة الفضولية مثلهم من قبيل .. "لقد كبرتي يا صغيرتي متى سنفرح بك" وكل خزعبلاتهم الفارغة التي لا يطيق منها شيئا فينسحب رويدا رويدا ليذهب إلى مكانه الخاص .. أسفل شجرة زرعها بيده وهو صغير ونمت الآن بل وأصبحت عجوزا أيضا .. تلك الشجرة لها معزة خاصة فى قلبه .. ولكنهم اليوم أصروا على تواجده بين الجموع فوافق على مضض .. جلست ايلين بجانبه بينما اقترب منهم ابن عم آخر لهم .. فاحمرت إيلين خجلا فقط من اقترابه .. لم يلاحظ هو ارتباكها حتى تكلم القادم قائلا بهدوء مبتسما فى وجهها وهو يمد يده لمصافحتها :
- كيف حالك إيلين ؟
همست بتلعثم وهي تصافحه بخجل :
- بخير سامر ..
ابتسم وهو يصافح ليث أيضا الذي كانت عيناه مسلتطان عليها وناقوس الخطر يرن فى رأسه بكل قوة .. صغيرته تحب .. لن يخطئ نظراتها إلي سامر .. لم يظهر على وجهه النار التي تغلي داخله وهو يصافح سامر متمتا بتحية جافة فجلس سامر بجانب إيلين وهو يقول موجها كلامه إليها :
- كيف حال الدراسة هذا العام يا عزيزتي ؟
تبسمت إيلين وهي تمد يدها لتعيد إحدى خصلات شعرها خلف أذنها بخجل وهمست :
- دراستي متعبة للغاية يا سامر .. سامحك الله انت من شجعتني لدراسة ذاك المجال المعقد
ضحك سامر قائلا :
- ليست دراسة معقدة يا إيلين إنها فقط تحتاج إلى بعض الذكاء والاجتهاد .. وانت مجتهدة كما أري أما عن الذكاء فأشك فى هذا
احمر وجه إيلين غضباً ثم وقفت وهي تقول من بين أسنانها :
- أنا أذكي منك ومن عشرة من أمثالك ... يا أحمق
ثم التفت لتغادر فسارع بالإمساك بيدها وهو يضحك قائلا :
- أنا آسف .. لا تكوني طفلة يا إيلي
لا لا لا هذا كثير عليه والله .. كثير للغاية .. يمسك يدها ويناديها إيلي .. تبقى له القليل على مرحلة الانفجار وسيحطم أنف هذا الأخرق .. بينما عادت إيلين إلى مكانها وهي تمط شفتيها دامعة العينين لا تدري لماذا تبكي .. إنها فقط لا تتحمل أي إهانة منه هو بالذات .. حينها قال سامر بلطف وهو ينظر إلى الدموع بعينيها :
- أنا أمزح يا إيلين وأنت تعرفين هذا ..
ظلت على وضعها تنظر إلى عينيه بعتب فقال بمرح :
- حسنا سأصلح خطأي .. أنت اذكي بنات العائلة يا إيلي وأنا اشهد
حينها تبسمت بصدق ولكن اختفت ابتسامتها وهي ترى ليث يعود بكرسيه المتحرك إلى الخلف بعنف قبل أن يدور به ليذهب ناحية شاطئ البحيرة القريب من شجرته الخاصة .. وقف بكرسيه ينظر إلى البحيرة المديدة أمامه .. المياه تعانق النجوم وهي تسبح فى فراغها السرمدي .. ونور القمر ينعكس على المياه الشفافة فتزداد بهاء فى عينيه العاشقتين للطبيعة بكل أنواعها .. بينما نظرت إيلين فى أثره بدهشة وهي تغمغم :
- ماذا به ؟
هز سامر كتفيه بحيرة فقامت إيلين من مكانها لتتبع ليث حتى رأته يراقب البحيرة .. فاقتربت منه لتجده يتنفس بعنف وكأنه يكبت غضبا فقالت بخفوت حذر :
- ماذا بك ليث ؟
التفت إليها بحنق قائلا :
- لماذا أتيتي خلفي ؟ .. أريد البقاء وحيدا .. هيا اذهبي
عقدت حاجبيها بضيق وهي تقول :
- ماذا فعلت أنا كي تغضب مني كل هذا الغضب ؟
غمغم باختناق وهو يحاول عدم النظر إليها :
- لم تفعلي شيئا يا إيلين فقط اذهبي لأني أريد البقاء وحدي
لم تمتثل لأوامره فهي تعلم طباع ابن عمها .. عنيد دائما .. وفظ فى بعض الأحيان .. لكنه يحمل بين أضلعه قلبا نقيا .. تقدمت لتجلس أرضاً بجانب كرسيه بصمت فنظر إليها مستنكرا وهو يقول :
- لماذا جلستي هنا ؟ .. أخبرتك أني أريد الجلوس وحدي
هزت كتفيها وهي تقول ببساطة دون أن تنظر إليه :
- لي نصيب فى الحديقة مثلك تماما .. إن كنت متضايقا فارحل انت
نظر إلي قمة رأسها وابتسامته تحارب لتشق ملامحه الباهتة ..
الفصل الثاني :
مستلق على سريره يراقب السقف تارة والسماء المظلمة المليئة بالنجوم تارة أخرى .
ملل ..
فراغ ..
ملخص حياته .. حاول العمل عدة مرات فى مجموعة شركات العامري ولكن العمل هناك كان كارثيا بمعني الكلمة .. كثرت شجاراته مع الموظفين بسبب تقلباته المزاجية والتي كانت نظراتهم وهمساتهم هي السبب فيها .. فترك العمل وهو يؤثر أن يعمل من المنزل مع أحد الشركات الدولية لهندسة الديكور ..
ولكنه كان بطبيعته منطلقا .. عاشق لقيادة السيارات بسرعة جنونية .. عند تلك النقطة أغمض عينيه بألم .. عاد بذاكرته الى يوم الحادث المشئوم حين كان يسابق الريح على الطريق الوعر خارج المدينة فقط ليشعر بروحه حرة .. حين ظهر أمامه فجأة طيف حيوان بري لا يذكر نوعه كما لا يذكر ما حدث وقتها فقد استيقظ ليجد نفسه فى مشفى ضخم ولا يريد تذكر ما حدث بعدها ...
رن هاتفه فالتقطه بسرعة وكان رقم والده .. تبسم وهو يفكر .. يعيشون تحت سقف بيت واحد ويطلبونه على الهاتف .. رد قائلا بهدوء :
- مرحبا أبي
جائه صوت والده قائلا بغموض :
- اجتماع عائلي مفاجئ هيا نحن ننتظرك ..
عقد حاجبيه بتساؤل ولكن ما إن اغلق والده الخط .. قام من مكانه بصعوبة مستخدما مهارة اكتسبها خلال سنين وهو ينتقل من السرير الى كرسيه .. دقائق وكان معهم بالأسفل بعد أن استخدم الطريق المخصص لنزول كرسيه عوضا عن السلالم .. صمت الجميع حين وصل .. ولاحظ بوضوح كيف اكفهر وجه والدة ايلين حين وصل بينما ابتسم والدها بهدوء بينما إيلين ذاتها ليست جالسة معهم كما العادة في حين قال جده بصوته الجهوري المسيطر ذو النبرة القوية :
- ليث .. كما تعرف أنت فبنات عائلتنا لا يتزوجون سوى من يحملون دم العائلة .. وبناء على هذا فقد خطبت لك ابنة عمك من والدها
ارتفع حاجبا ليث بذهول وألجم لسانه .. عن أي فتاة يتحدث جده فبنات أعمامه كثر للغاية وأعفاه جده من التساؤل وقال :
- ستتزوج إيلين يا ليث
هذه المرة تجلت الصدمة واضحة على وجهه حتى بات مظهره مضحكا وهو يفكر .. ماذا ؟؟ سيتزوج حبيبته ؟!! يجب أن يكون سعيدا .. ولكنه لا يريد أن يظلمها معه .. ما ذنبها هي لتتزوج قعيدا .. ولكنها حبيبته الصغيرة ... تكلم الجد مرة أخرى مخرجا ليث من دوامة أفكاره المذهولة :
- وكلامي لا رجعة فيه يا ليث .. لي خبرة أكثر منك فى الحياة وأعلم ان ايلين هي أكثر من ستناسبك كما أنني لاحظت أنكما قريبين من بعضكما للغاية
عقد ليث حاجبيه مفكرا .. إذن جده لم يسألها .. انتقل تساؤله الى لسانه وقال :
- هل تعلم إيلين بهذا الأمر
قال جده بتقرير أمر واقع :
- لن تعارضني حفيدتي فأنا أدرى بمصلحتها
وهنا ثارت أمها :
- أنا لن أزوج ابنتي دون رضاها هذا مستحيل
زجرها زوجها بخفوت بينما ضرب الجد بعصاه على الأرض بقوة وهو يقول بصرامة :
- لا يجب أن يعلو صوتك فى مجلسي يا ثريا كما أنه لا كلمة بعد كلمتي ..
ثم وقف من مكانه وهو يقول :
- اتبعني إلي جناحي يا ليث فأنا أريدك وحدك
غادر ليث ليتبع جده بصمت وفى رأسه تتزاحم آلاف الأفكار بينما قامت والدة ايلين من مكانها بحدة متجهة إلى غرفتها وتبعها زوجها .. ما إن دخلت إلى غرفتها حتى صرخت :
- وما ذنب ابنتي أنا لتتزوج ذاك القعيد
قال زوجها بهدوء :
- أنا أري أن ليث سيناسبها
صرخت باستنكار :
- وماذا ينقص ابنتي لتتزوج رجلا لا يتحرك سوى بكرسي ..
ثم صمتت قليلا وصاحت :
- لولا تحكمات كبير العامرية الفارغة ...
هنا صاح زوجها :
- تأدبي يا ثريا .. أنت تتحدثين عن كبير العامرية وكلمته لا ترد .. ستتزوج ابنتك من ليث وسيصونها وانا اعلم ذلك جيدا .. والآن اخلدي إلى النوم فقد اتعتب رأسي بصراخك
ولا يعلم الاثنان من كانت تمر أمام باب غرفتهم بالمصادفة وشهقت بعنف .. ماذا .. من سيتزوج من ؟؟ هي وليث !! مستحيل ؟ ماذا عن رأيها هي ؟ ليث بمثابة أخ لها .. بماذا يهذي اولئك الناس .. ستذهب إلى ليث بالتأكيد ستتحدث معه ..أم تذهب إلى جدها .. اتخذت قرارها وذهبت إلى جناح جدها .. طرقت الباب حتى أذن لها بالدخول ولسوء حظها كان ليث بالداخل ما إن رآها حتى توتر بينما تقدمت هي لتقبل يد جدها وهي تغمغم بتحية خافتة ثم جلست أمامه وهي تقول بهدوء :
- هل ما سمعته صحيح يا جدي ؟
ازداد توتر ليث بينما قال الجد دون أن يصطنع عدم الفهم :
- نعم هو صحيح يا صغيرتي ..
زمت شفتيها بحنق وقالت :
- ماذا عن رأيي أنا يا جدي ؟ ماذا عن رأي ليث ؟
قال جدها بنبرته الرخيمة :
- ليث موافق وليس لديه أي اعتراض
التفتت هي إلى ليث بذهول وهي تغمغم بينما تهرب هو بعينه منها :
- موافق ؟ كيف ؟
ثم عادت تلتف إلى جدها وهي تهمهم :
- إنه بمثابة أخي
قال جدها بصرامة :
- إنه ليس أخاك إنه ابن عمك وزواجك منه شرعي تماما فلستم إخوة في الرضاعة أو ما شابه
فتحت فمها تنوي الاعتراض ولكن جدها قال موجها كلامه الي ليث :
- اذهب الآن يا ليث اريد الحديث مع حفيدتي وحدها ..
امتثل ليث لكلام جده دون سؤال فهو يعلم حرج الموقف .. بينما التفت الجد إلى إيلين وسأل :
- لماذا تعترضين على كلامي يا فتاة ..
زمت شفتيها وهي تتنفس بغضب واضح ثم قالت :
- أنا لا اعترض على كلامك يا جدي ولكنها حياتي أنا ولي كل الحق فى اختيار شريكي فيها
قال جدها بصرامة :
- وانا ادرى بمصلحتك .. ثم ان ليث شاب ممتاز ولا ينقصه شيء أم أنك ترفضينه بسبب إعاقته
لم يخطر أمر إعاقته بعقلها من الأساس .. شهقت باستنكار وهي تهتف بسرعة كمن ينفي تهمة :
- بالتأكيد لا يا جدي .. بالتأكيد لا
عاد الجد يسال :
- إذن ماذا ؟؟
ترددت .. أتخبر جدها بان قلبها معلق بآخر لا يشعر بها حتى .. استعاضت عن افكارها بأن همست بخنوع :
- فقط ارجوك يا جدي اخبرهم بأني طلبت منك أياما لأفكر حفاظا على ماء وجهي
وفي عقلها كانت تتبلور فكرة واحدة .. ستسأل سامر وعلى أساس رده سيكون جوابها في حين قال كبير العامرية :
- حسنا يا إيلين .. لأجلك فقط .
***********
تراقبه من بعيد بتردد .. منذ أكثر من عشر دقائق وهي تستجمع كلماتها وترتبها .. أخذت نفسا عميقا ثم تقدمت قائلة بابتسامة :
- مرحبا سامر
التفتت اليه سامر بوجه مشرق مبتهج قائلا :
- مرحبا بك إيلين جئت فى وقتك فأنا أريد أن احدثك فى موضوع
تبسمت بتوتر وهي تجلس بجانبه على كرسي فى الحديقة الواسعة وهمست :
- تفضل
لمعت عيناه بقوة وسبحتا فى الفراغ :
- ميسون
ابتلعت ريقها بتوتر أكبر هامسة وذاكرتها تسترجع صورة ميسون ذات الشعر الأسود الغجري الطويل :
- ماذا عنها ؟
نظر إلي عينيها بسعادة :
- سأتقدم لخطبتها
أظلمت شمس عينيها ونظرت إليه بصدمة واضحة وملامح متألمة فعقد حاجبيه دون أن يفقد ابتسامته قائلا :
- ماذا هناك ؟
سيطرت على ملامحها بصعوبة قبل أن تهمس بحشرجة :
- مبارك
قبل أن تهرب من أمامه بسرعة قاصدة غرفتها الحبيبة بينما نظر سامر فى أثرها بحيرة .. إيلين شخصية لن يستطيع أن يفهمها أبدا .. شعلة من التمرد على الواقع .. قوية للغاية .. هز كتفيه بنفس الحيرة وهي تغيب عن انظاره فى حين دلفت إيلين إلى غرفتها وأغلقت الباب خلفها وهي ترتمي على سريرها وتبكي بقوة .. سامر سيتزوج .. سامر .. والجد قرر تزويجها بليث .. ولكنها لا تحب ليث .. كما أنها تعرف أن ليث لا يحبها كذلك .. همست بمرارة ودموعها تنهمر بغزارة :
- لماذا يا ربي لماذااا !!! لماذا أنا يا جدي ؟!!
أمضت فى البكاء فترة طويلة .. كانت تبكي دون صوت كعادتها .. لا تحب مشاركة آلامها مع أي أحد .. تحيط نفسها بقشرة صلبة لا يسمح لأحد باختراقها .. تمالكت نفسها بعد عاصفة البكاء .. استقامت جالسة وهي تمسح دموعها والقوة تختلط بعسل عينيها .. نظرت إلى نفسها فى المرآة .. اسفل عينيها تورم من البكاء وعيناها محمرتان بقوة .. دخلت إلى حمامها لتغسل وجهها بقوة تمحو أي اثر للبكاء والضعف من على وجهها .. شعثت شعرها القصير وهي تعود لتظر فى مرآتها مجددا .. خرجت من غرفتها بآلية وهي تتجه إلى غرفة لتطرق الباب عدة طرقات خافتة .. لم تسمع ردا فتنهدت بحنق .. إذن هو فى مكانه المفضل فليث لا ينام فى هذا الوقت أبدا .. نزلت إلى الحديقة وهي تتجه ناحية البحيرة .. وجدته فى مكانه .. يتأمل البحيرة بصمت .. ملامحه مظلمة .. اهي متألمة أم أنها تتوهم .. التقطت نفسا قويا قبل أن تناديه بخفوت :
- ليث
لاحظت بوضوح تصلب كتفيه ما ان تعرف إلى نبرة صوتها ولكنه التفت اليها دون ابتسامته المعتادة وقال :
- مرحبا إيلين
تقدمت لتقف بجانب كرسيه وهي تنظر إلى الأفق البعيد محيطة جسدها بذراعيها وشعرها الكثيف الذي بالكاد يصل إلى آخر عنقها يتطاير خلف رأسها بفعل هواء الليل .. بينما قالت بهدوء يخفي ما يعتمل بداخلها بمهارة :
- لماذا وافقت ؟
نظر إليها متأملا وهو يفكر مليا فى اجابة مناسبة ولكن خانه عقله فاختار أسوأ إجابة ممكنة فقال بجمود :
- لإرضاء جدي .. فكلمة كبير العامرية لا ترد كما تعلمين ..
تصلبت ملامحها بقسوة .. للحق هي توقعت إجابة مماثلة ولكن وقعها على أذنها كان مدويا لدرجة لم تتخيلها هي .. ثم لماذا تهتم به من الأساس .. طال صمتها وطال فهمس هو مرة أخرى :
- ماذا عنكِ ؟
خرجت عن صمتها هامسة بجفاف وقلبها يصرخ ألما وهي تلتفت اليه لتنظر إلى عينيه :
- سأوافق .. ولأجل جدي فقط يا ليث .. لأجل جدي فقط
************
الفصل الثالث :
- أسرع يا إياد أسرع .. لا تخفض السرعة مهما حدث
صاح بها ليث وهو مغمض العينين فى سيارة رباعية تنطلق بأقصي سرعتها فى الساحات الخالية خارج المدينة .. وصديق عمره الذي يشاركه فى نفس الهواية المجنونة يقود السيارة بأقصي سرعة ممكنة .. صاح به إياد بحماس :
- ياهووو أنا أقود بأقصي سرعة ممكنة يا ليث لا تقلق
تبسم ليث مجاملا بينما بداخله طوفان يفور .. زفافه خلال أيام .. تتناقض بداخله التعاسة والسعادة .. سعيد لأنه أخيرا سيفوز بحبية عمره وتعيس بسبب تعاستها الواضحة .. لم تعد تبتسم فى وجهه حين تراه كعادتها .. بل تشيح بعينيها وتتجمد ملامحها لا إراديا .. تتحاشا الجميع حتى سامر .. وجده فخور بما يفعله وإن كانت نظراته يتخللها بعض الغموض عندما ينظر إليه .. تمسك جيدا بحزام الامان الذي يلتف بإحكام حول جسده وهو يحاول تجاهل الألم لأنه ليس هو من يقود كما يحاول تناسي اشتياقه إليها .. إلى إشراقة شمس عينيها عندما تنظر إليه .. إلى ابتسامتها الجميلة وحتي خصلاتها القصيرة يعشقها .. تنهد بألم وهو يصيح بصوت عالي كي يسمعه إياد :
- عد بي إلى المنزل يا إياد .. فقد اكتفيت اليوم
وامتثل صديقه لأمره وهو يقود عائدا بنفس السرعة .. وصل إلى منزله وشكر صديقه بعد ان ساعده فى الجلوس على كرسيه وغادر .. شتم فى سره وهو يحرك كرسيه بعنف مفاجئ .. تبا لعجز يجلعه مرفوضا .. ولكن صوتا قويا بداخله يخبره باستمرار بأن من المستحيل أن ترفضه إيلين بسبب إعاقته .. لا يدري لماذا ولكنه متأكد .. دلف إلى المنزل بوجوم وهو يمني نفسه بانتهاء النهار سريعا وقدوم الليل .. فهو بطبيعته يميل لليل أكثر .. يحب الاختلاء بنفسه فى الظلام والتفكير فى كل ما يضايقه فى حياته .. سمع نشيجا خافتا قادما من احد الزوايا الخفية فى الحديقة .. عقد حاجبيه وهو يتعرف على الصوت فتحرك من فوره ناحيته .. رأي إيلين جالسة على الأرض وتدفن وجهها بين كفيها وتستند بهم إلى ركبتيها .. لانت ملامحه فور رؤيتها قبل ان يغمغم بشحوب :
- إيلين .. ماذا بك يا صغيرتي
بدت كأنها لم تسمعه للحظات ولكنها رفعت رأسها ترمقه شذرا من بين دموعها وهمست :
- ابتعد عني
لم يعرها ادني اهتمام وهو يسأل مرة أخرى بإصرار :
- ما الذي يبكيك ؟
أشاحت عنه ودموعها تزداد انهمارا .. لا تدري لماذا تبكي .. أهي غيرة من ميسون .. بالتأكيد .. فميسون ستتزوج من تحب بل بإرادتها أيضا .. تستعجب من نفسها وهي تشعر بذاك الاحساس يطغي على احساس حبها لسامر .. لم تدري انها همست من بين نشيجها الخافت :
- ميسون
سأل ليث باهتمام وقلبه يتمزق لمرأي دموعها :
- ماذا بها ميسون ؟
شهقت ببكاء وهي تهمس :
- لقد خطبت إلى سامر
اسودت الدنيا أمام عينيه واشتعلت أعماقه بنيران غيرة حارقة وهو يستشعر حبها لسامر من بين طيات كلماتها .. همس بشراسة نافثا لهب الغيرة من بين كلماته :
- أتبكينه ؟! أكل هذه الدموع من اجله هو ؟!
رفعت عينيها اليه فجأة وكأنما أدركت وجوده .. تعلقت نظراتها ساهمة بالبؤرة العميقة فى سواد عينيه .. رأت غيرة ملتهبة لم تدري لها سببا .. اخفضت عينيها بسرعة وهي تشعر بقلبها يخفق بشدة على غير العادة .. لطالما تكلمت معه وهي تنظر إلى عينيه .. ماذا الآن ؟! ..
اما عنه فكان حرفيا يحترق .. ماذا يجدر به أن يفعل .. اهتزت عيناه وهو يرى دموعها تعاود الانهمار دون صوت هذه المرة فضم شفتيه وهو يحاول السيطرة على غضبه .. تحامل على نفسه وهو يستند بيديه إلى الأرض ليجلس إلى جوارها مستغلا عدم انتباهها إليه .. تأوه بخفوت وهو يشعر بألم بطول عموده الفقري لحركته غير المألوفة .. سمعت تأوهه فالتفت لتجده إلى جوراها .. زمت شفتيها بحنق رغم دموعها وقالت من بين أسنانه :
- أنا لا أريدك إلى جواري يا ليث .. هيا اذهب
أغمض عينيه بحنق .. لن يتأثر بكلامها .. لن يأخذ كلماتها على محمل الجد فهي ليس واعية لها .. فتح عينيه وهمس بحنق :
- لم تجيبي على سؤالي
أشاحت عنه وصمتت .. وطال صمتها حتى ظن أنها لن ترد ولكنها فاجئته أن قالت باختناق دون أن تنظر إليه :
- لا أدري
نظر اليها باستنكار فالتفت تنظر الي عينيه قائلة بمرارة :
- اتعرض الى الصدمات من كل جانب فلا أدري علي أي صدمة أبكي
اتسعت عيناه بصدمة .. خفت بريق شمس عينيها .. صغيرته بائسة ولكن الحل ليس بيده .. مثله مثلها تماما .. والجد مصمم على قراره ولا يعارضه أحد .. لا يأبهون لمشاعرهم .. زفر بضيق ويده تمتد ليمسك كفها الصغير .. حاولت جذبه إلا أنه لم يسمح لها فأشاحت بعيدا عنه حتى امتدت يده الأخري إلى ذقنها برفقه لكي تنظر إليه .. فنظرت إليه بعينان دامعتان لم ير أجمل منها فى حياته كله .. تنهد بداخله قبل أن يهمس بصعوبة وهو يشعر بغصة تخنق انفاسه :
- أتغارين ؟!
اهتزت عيناها بتوتر وهي تبتلع ريقها .. لا تصدق أنه يناقش معها الامر بهذا الهدوء .. لا تدري أنه يمارس أعلى درجات ضبط النفس كي لا يفرغ فيها غضبه وغيرته .. عادت تبتلع ريقها وهي تهمس بشحوب خائف من سواد عينيه وهي تشعر بحاجة غريبة الى الحديث معه كما كانت تفعل طيلة عمرها :
- أيمكنني الحديث معك مثلما كنا نتحدث قبل اسبوعين ؟
همس دون تعبير :
- بالتأكيد
تنهدت بعمق وهي تنظر أمامه قبل أن تعود وتشتاق دون وعي إلى عينيه فعادت تنظر إليها قبل أن تقول بخفوت :
- انا لا ادري ماذا بي ؟ انا كنت يوما ما مفعمة بالحياة واستقبل الصباح كل يوم بنفس راضية وقلب صاف حتى ..
وابتلعت غصة حلقها بصعوبة وهي تغمغم :
- حتى حدث ما حدث يا ليث .. لم اعد ايلين ذاتها .. انا اكره القيود اكرهها حد الموت ..
قاطعها بخواء :
- وزواجك مني قيد تكرهينه أليس كذلك .. قيد سيحرمك من .. منه
لم يستطع نطق اسمه .. خانته حروفه بينما فهمت هي تلك ال "منه" ولم تنكر او تتصنع عدم الفهم إلا أنها قالت باستنكار لم تدر من أين اتت به :
- انا لم اقصد هذا
همس بسخرية ظنت لوهلة أنها حملت نبرة متألمة بين طياتها :
- وإن قصدته
قبل أن يردف بجفاف وصلها واضحا رغم نبرتة الخافتة :
- أكملي
أخذت نفسا عميقا قبل أن تغمغم بتهور :
- انا لن اكذب عليك يا ليث .. انا .. انا
لم تقو على إخراج الكلمة من فمها فحثها :
- انتِ ماذا ؟
أكملت بنفس التهور :
- كنت أظن أنني .. انني .. انني احب سامر
يا الله .. نار اندلعت فى اعماقه تحرق أحشائه دون هوادة .. احتبست كلماته فى حلقه .. الصبر يا رب العالمين .. الصبر ... تنفس بسرعة وغضب بينما همست هي غير واعية لما يعتمل بداخله :
- الآن انا .. استغرب لشعوري ب
صرخ بها بشراسة مفاجئة وقبضته تشتد على كفها المسكين القابع بين أصابعه :
- كفي .. كفي كلاما عنه .. لا اريد سماع كلمة أخرى
نظرت إلي عينيه الثائرتين بخوف وهي تشعر بضعف غريب عليها .. وهي التي اعتادت القوة كصفة متأصلة بشخصيتها منذ ولدت .. قالت بخوف :
- انت اعطيتني الامان لاتكلم ليث .. ما الذي يضايقك الان
نظر إليها بشراسة وهو يهمس :
- قولت لكِ تكلمي عن ما يضايقك لا أن تتغزلي برجل آخر أمامي
ارتفع حاجباها باستنكار وهي تقول :
- انا لم افعل
أشاح عنها وهو يهمس بجمود :
- بلى فعلتي .. ويجب أن انبهك انك ستصبحين زوجتي خلال أيام ولن اسمح لك بذكر اسم رجل آخر على لسانك
ثم التفتت لتتعلق نظراتها بعينيه هامسا بغضب أعمي :
- ابدا
ارتجفت شفتيها وهي تدرك أنها ستنفجر باكية مجددا .. لذا قامت من جانبه وهي تسحب يدها بسرعة راكضة نحو المنزل وكلها يرتجف من هول ما رأته فى عينيه .. أهو بالفعل يغار ؟ بالتأكيد لا انه مجبر مثلها .. فكرت بسخرية من نفسها وهي تندفع إلى غرفتها بينما دفع هو كرسيه بعيدا بيديه فى غمرة غضبه ثم انتبه فجأة .. كرسيه ابتعد وهو يجلس على الأرض . في ركن قصي من الحديقة خلف المنزل .. وان نادي لن يسمعه احد .. همس بحنق :
- الآن ماذا ؟!
ثم علا صوته وهو يسأل نفسه مرة اخري بغيظ اكبر :
- الآن ماذا ؟!
ثم ضرب الأرض بقبضته وهو يصرخ بغضب :
- تبا لغبائي .. تبا
الفصل الرابع :
اهواك يا روح الروح فلم تعذبينني بتلك القسوة التي تغلف ملامحك منذ بداية الحفل .. تنهد ليث بأسي وهو يرمق إيلينه بطرف عينه وهي تجلس بجانبه بفستان العرس وملامحها تظهر بؤسها بطريقة غريبة كأتعس ما يكون .. الجميع ضاحكون مستمتعون .. عدا والدة ايلين التي ظلت ترمقه بحقد لم تحاول إخفائه بينما الجد ينظر اليهم براحة .. لقد عقد القران منذ قليل وسمعوا موافقة العروس بصوت ميت .. تصاعد الغضب بداخله وهو يرى سامر يقترب وتتشابك اصابعه بأصابع ميسون التي نظرت اليه بهيام عجزت عن اخفائه .. تقبل تهنئة سامر بابتسامة باردة ناقضت الاشتعال بداخله وهو يلتقط نظرات ايلين وهي تراقبهم بنفس البؤس ولكن تخلله بعض الألم .. تبا .. اما آن لذلك العذاب أن ينتهي .. ابتلع ريقه بصمت وهو ينتظر انتهاء تلك المسرحية الهزلية بأسرع وقت ..
عندما دخلوا جناحهم والذي لم يكن سوى غرفة ليث وقد أضافوا إليها حجرة إضافية .. تقدمت إيلين بوجل وهي تفرك أصابعها والتوتر يقتلها .. فضلت هي الصمت ورغما عنها احمرت وجنتها كعروس صغيرة مغفلة .. بينما دخل ليث خلفها بكرسيه وبعينان تلمعان بنظرات غامضة وقرارت مصيرية .. جلست هي على حافة كرسي قريب من الفراش وهي لا تجرؤ على رفع نظراتها نحوه بينما قال هو دون تعبير :
- يمكنك الذهاب لتغيير ملابسك
لم تنظر اليه .. لم تجرؤ بينما لاحظ هو صمتها وعدم تحركها فحاول أن يقول بلطف :
- هيا يا إيلين لن أقدم على التهامك لا تخافي ..
نهضت متعثرة إلى الحمام واغلقت الباب خلفها بإحكام بينما وضع هو وجهه بين كفيه وهو يهمس بحرقة :
- يا الهي ستقتلينني يوما
جاهد لرفع قدميه على الأريكة وهو يسترخي لإطفاء حريق يعتمل بداخله يعذبه .. أغمض عينيه بألم عندما لاحظ خروجها .. لم يلتفت اليها بينما توقفت هي مكانها وهي تفكر بدهشة مبتهجة رغما عنها .. "هل نام بالفعل!!" بينما أجفلها وهو يقول بصوت بارد وهو يشير بيده ناحية فراشه :
- إنه لك ..
نظرت إلي الفراش ثم نظرت إلي وجهه البعيد عنها وقالت بتلعثم فضح توترها الشديد :
- آآآآه .. ليث أنا ..
قاطعها ببرودة جليدية دون أن يفتح عينيه حتي :
- هيا يا إيلين لا تناقشي كلمتي
اتجهت إلى الفراش باستسلام وهي تشكر الله فى سرها وقلبها يخفق بقوة .. لقد فهمها ليث .. فهمها دون أن تتكلم .. استلقت بخجل وهي تعطيه ظهرها وتتلحف بالغطاء الناعم بينما عقلها يدور فى دوامات لا قرار لها ... ترى ما مصيرها .. أيمكن أن يحررها ليث فى يوم من الايام لتعود إليها حريتها المفقودة ؟؟!!!! بينما ليث يحاول النوم دون جدوى عقله يلح عليه بالتفكير فى أمر الجراحة .. إيلين تستحق الأفضل .. تستحق رجلا كاملا لا قعيد لا يتحرك سوى بكرسي ... تنهد بصمت وهو يهمس فى نفسه :
- توقف عن الخوف يا ليث .. لم يكن يوما من شيمك ..
********
بعد اسبوع ..
على مائدة الافطار الصباحية جلس الجميع .. جلست إيلين بجانب ليث وهي تبتسم باصطناع بدا ظاهرا إلي حد كبير بينما كفها فى يد ليث فوجئت بأمها تقول بقهر خفي متعمدة إهانة ليث أمام الجميع :
- كيف حالك يا ابنتي .. أيسعدك الفتي
رغما عنها ضايقتها أن تنعت أمها ليث بالفتي إهانة له .. عبست وهي تقول لأمها بضيق :
- لا تقلقي علي يا امي .. ليث يعاملني أفضل معاملة .. ثم انه ليس من شيم الرجال إساءة معاملة زوجاتهم
بينما ابتلعت امه هي ريقها وهي تمسك لسانها عنوة كي لا ترد على الشطماء التي تهين ابنها امام الجميع فى حين اشتدت قبضة ليث على يد إيلين لا ضيقا من امها ولكن انفعالا غريبا لدفاعها عنه أمام الجميع حتي امها .. اختلجت دقاته كأوراق لعب مبعثرة فنظرت إليه هي وبعسل عينيها اعتذار خفي فتقبله هو بصدر رحب .. بينما الجد يراقبهما بحنان وهو يلاحظ نظراتهما إلى بعضهما البعض ..
عندما عادا إلى غرفتهما كي يتم ليث ما عليه من عمل بينما تجهز إيلين نفسها كي تذهب إلى الجامعة .. غلفهم الصمت كالعادة كل منها غارق فى افكاره الخاصة فوجئت إيلين بليث يناديها بخفوت .. فالتفتت إليه بتساؤل فقال بخفوت :
-اقتربي
اقتربت باستغراب وهي تجثو على ركبتيها كي تواجه وجهه بينما تتساءل بوداعة :
- نعم
امتدت يد ليث لتحتضن وجهها بارتعاش وهو يغمغم غارقا فى عينيها :
- شكرا
تقارب حاجباها باستفهام وهي تهمس :
- على أي شيء ؟
أعاد خصلة من شعرها القصير خلف أذنها بيده الحرة بينما همس :
- لأنك دافعتي عني ..
احمرت وجنتاها بقوة واختلجت دقات قلبها رغما عنها وهي تخفض عينيها هامسة برقة أذابت قلبه :
-انا لم أفعل شيئا
جذب وجهها إليه وهو يقبل جبينها قائلا :
- بل فعلت الكثير بالنسبة لي ..
قبل أن يبتعد عنها هامسا :
- اعتني بنفسكِ جيدا
وسكت قليلا قبل أن يضيف بنبرة يشوبها قليل من الألم :
- لو كان بيدي لكنت ..
قاطعه أن وضعت أصابعها تكتم باقي كلماته وهي تقول بحزم رقيق :
- انا استطيع الاعتناء بنفسي جيدا لا داعي لكل هذا القلق ..
اومأ بصمت والقرار بداخله يتوهج أكثر .. سيفعلها لأجلها .. لأجلها هي فقط
*********
عادت ايلين من جامعتها .. دخلت من البوابة الرئيسية للبيت وبينما هي تمر سمعت اسمها بصوت مألوف .. اقتربت أكثر من المكان متخفية والفضول الانثوي يغلب عليها سمعت احدى زوجات أعمامها وهي تقول :
- كانت فتاة طيبة ولا تستحق كل ما جرى لها
بينما قالت زوجة عم آخر بتشفي :
- بيني وبينك .. ثريا تستحق أن تتزوج ابنتها من قعيد لا حول له ولا قوة كي تتوقف عن التفاخر
دمعت عينا إيلين وهي تشعر بالإهانة وكأنها موجهة إليها هي لا لليث .. كيف لهم أن يتحدثوا عليه بتلك الطريقة .. ألا يعلمون طيبة قلبه وحنانه .. توقفت أفكارها وهي تستمع إلى المرأة تكمل :
- كبير العامرية له تحكمات غريبة .. أجارنا الله منها .. ولكن ذاك القعيد مفضل عند جده لا ادري لماذا .. ابني أنا افضل منه وناجح فى عمله وحياته ولا يجلس طوال اليوم فى البيت كالنساء
تراجعت إيلين ودموعها تنهمر بغزارة وهي تهز رأسها نفيا وكأنها تنفي الكلمات الجارحة عن ليث .. لا تدري لما تبكي .. إنها فقط تشعر أنها تريد ضمه إليها .. مواساته على ما سمعته هي .. زاد انهمار دموعها وهي تتذكر كيف كانت تسمع تلك الملاحظات فيا مضي ولا تلقي لها بالا .. فتحت باب غرفتها وهي تدخل وتغلق الباب خلفها بقوة وكأنها تريد إخراج الكلمات من عقلها التفت اليها ليث وحاسوبه علي قدميه بينما اختفت ابتسامته وهو يرى دموعها و نظرتها الغريبة إليه .. سأل بقلق :
- لماذا تبكين ؟!
لم تتوقف دموعها كما لم ترد عليه وهي تقترب من الفراش لتجلس عليه مخفضة وجهها وهي ما زالت تبكي فاقترب منها حتى وقف بكرسيه أمامها وهو يسأل مجددا بانزعاج :
- لماذا تبكين يا إيلين ؟!
قالت من بين دموعها جملة لم تدر من أين أتت :
- لماذا لم تنادني ب إيلي منذ فترة طويلة
ارتفع حاجباه بدهشة قبل أن يقول :
- ظننتك لا تحبين أن أدللك بهذا الاسم
قالت بطفولية عفوية غريبة عليها وهي تمد يدها لتسمح دموعها فسبقتها يده هو :
- بل أحب أن اسمعها منك
شاب الحنان ملامحه وهو يقول بلطف :
- حسنا يا صغيرتي سأدللك على الدوام
افترت شفتيها عن شبه ابتسامة جميلة قبل أن يقول ليث بخشونة وهو يبعد يده :
- والآن يمكنك أخذ قيلولة بينما أكمل أنا عملي ..
اومأت وهي تراه يبتعد بكرسيه ناظرا إلى حاسوبه وكأنه يتشاغل عنها متعمدا فاستلقت هي وهي تدير ظهرها له كالعادة وتغرق فى التفكير .. تشعر بالبهجة كلما اقترب منها أو التمست حنانه فى كلماته او تعامله معها .. تشعر أن قوتها الواهية التي كانت تغلف بها نفسها منذ صغرها تذوب أمام قوته هو .. تشعر بروحها ترفرف فى سماء غريبة من سعادة أغرب
وللعجب هي لم تفكر بسامر طوال الاسبوع الماضي .. لم يخطر على بالها ولو للحظة رغم أنها كانت تراه كل يوم على موائد الطعام يجلس بقرب خطيبته .. همست لنفسها بحيرة :
- ماذا بي يا ربي .. ماذا بي ؟؟ تقريبا لم أعد اعرف نفسي !!
*******
الفصل الخامس :
استيقظت من نومها ليلا على صوت همهمات خافتة صادرة من ذلك القابع على الأريكة .. أزاحت الغطاء وهي تتوجه نحوه باستغراب تام .. هزته برفق وهي تهمس :
- ليث .. ليث ..
راعتها حبات العرق الغزيرة المتناثرة على جبينه وقميصه الغارق بالعرق هو الآخر فوضعت يدها على رأسه واتسعت عيناها الجميلتان بخوف وهي تهمس :
- يا الهي .. انه يشتعل .. ماذا أفعل ؟؟
أضاءت مصباح الغرفة وهي تتجه ناحية الدولاب بسرعة .. لحظات وكانت تلهث بعد ان ابدلت له قميصه القطني بآخر نظيف ثم خرجت من الغرفة مسرعة في طريقها إلى المطبخ كي تحضر ثلجا ومن ثم تطلب من اهل البيت إحضار طبيب .. عادت ببعض الماء المثلج وقطعة قماش بللتها ثم وضعتها على جبينه ثم خرجت من الغرفة مرة اخرى وهي تتجه نحو غرفة والديه ..
فتحت والدته الباب وهي تقول باستغراب حنون :
- ما الذي تريدينه فى هذه الساعة يا ابنتي ؟
قالت ايلين بلهاث :
- انه ليث .. لا ادري ماذا أصابه .. انه مصاب بالحمي الشديدة لدرجة الهذيان ..
هتفت امه بارتياع :
- سأطلب الطبيب حالا ..
بعد نصف ساعة خرج الطبيب بعد أن اعطي تعليماته لإيلين بكيفية تهدئة الحرارة ومواعيد الأدوية وما ان خرج حتى اطلقت الأم سؤالا طال كتمانه :
- لماذا ينام ابني على الأريكة ؟
لم تنظر إليها إيلين وهي تجلس بجانب ليث ولم يبدو عليها الارتباك حتى .. لم يسبق لها أن رأته بهذا الضعف في حياتها .. قلبها يؤلمها على حاله .. تذكرت سؤال امه فقالت :
- لقد كان يشاهد التلفاز ثم استغرق فى النوم يا خالة ولم أرد إيقاظه
ثم التفتت اليها وقالت برقة :
- يمكنك الذهاب للنوم خالتي .. انا سأعتني به جيدا لا تقلقي ..
اومأت الأم بصمت قبل أن تغادر قائلة :
- سآتي فى الصباح الباكر
اومأت إيلين قبل أن تسمعها تغلق الباب خلفها فالتفتت الى ليث وهي تبدأ بتنفيذ تعليمات الطبيب بحفض الحرارة .. تسمع هلوساته الغريبة .. كلمات متداخلة لا تفهم منها إلا القليل .. حتي سمعته ينادى اسمها عدة مرات .. نظرت اليه باستغراب وهي تمد يدها لتحتضن كفه بين يديها هامسة :
- انا هنا ..
همهم ليث وهو ينتفض انتفاضة خفيفة بفعل الحرارة :
- لا .. لا تبتعدي عني
شدت على يده وهي تقول بحيرة :
- انا سأبقي هنا يا ليث لن ابتعد
ولكنها كانت متأكدة أنه لا يسمعها لأنه واصل بكلمات أوجعت قلبها :
- لماذا .. لماذا تحبينه .. لماذا .. لماذا هو ؟
دمعت عيناها وانتفض قلبها دون أن تدري سببا محددا ورغما عنها همست بحشرجة :
- يا الهي ليث .. ألا زال ذاك الموضوع يؤرقك .. يا الهي لو تعلم أنه لم يخطر على بالي منذ زواجنا .. لم أفكر فيه ولو لدقيقة حتى ..
كان ليث قد هدأ قليلا بعد كلماته الأخيرة .. استكانت أنفاسه وإن تسارعت قليلا .. فتركت يده وواصلت عملها لدقائق طويلة .. حتى انخفضت حرارته قليلا .. أعطته دوائه بعد جهد .. ثم جلست بجانب الأريكة على الأرض تلهث وهي تنظر إلى وجهه الوسيم .. لطالما كان وسيما منطلقا .. لا يفكر فى المستقبل ولا يخطط له .. يعيش حياته ليومه فقط .. شعرت به يتململ فهمست باسمه بخفوت ولم تتصور أن يفتح عينيه وينظر إليها وبعينين متسعتين بدهشة يسألها :
- ماذا تفعلين علي الأرض ؟؟ ماذا يحدث ؟؟
ابتسمت بفرح وهي تقف على ركبيتها قائلة :
- لقد كنت تعاني من الحمى والهلاوس وجاءك الطبيب
قال وهو يحاول النهوض جالسا :
- لماذا .. انا بخي ..
لم يكمل كلمته بسبب الدوار الذي اكتنف رأسه فعاد برأسه إلى الوسادة المريحة وهو يغلق عينيه بألم مغمغما :
- لا انا لست بخير
امسكت بيده وهي تهمس بتشجيع :
- ستكون بخير
فتح عينيه ليطالع عينيها بنظرات لم تفهمها هي .. حدقتيه غير ثابتتين من تأثير الدوار .. دون وعي منها غرقت فى عمق عينيه السوداوين الواسعتين .. قال هو بخفوت دون أن يحيد بعينيه :
- اصبحت مدينا لك بالكثير ..
هزت رأسها نفيا عدة مرات وهي تغمغم :
- لست مدينا لي بأي شيء يا ليث .. ثم إنه واجبي ..
ابتلع ريقه بصمت وهو يحاول تغاضي ألمه بأنها تفعل كل هذا فقط لانه واجبها .. امتدت يدها لتمسك بكفه وهي تقول :
- عليك النوم الآن فأنت متعب
اومأ بصمت وهو يغلق عينيه بينما شعر بها تسحب يدها فشد عليها بقوة وهو يقول :
- إياك والابتعاد
همست تدافع عن نفسها :
- لم اكن سأبتعد كنت سأذهب لاحضار الماء المثلج .. ثم انك اخذت دواءا ستغط بسببه في نوم عميق ولوقت طويل
همس دون ان يفتح عينيه ودون ان يترك يدها :
- اريد ان اشعر بك قريبة .. هذا سيساعدني على التحسن
*************
حين استيقظ ليث صباحا .. فتح عينيه على اشعة الشمس التي تسللت داخل الغرفة .. ادار رأسه فوجد إيلين جالسة على الأرض بجوار الاريكة وهي تضع راسها بجوار رأسه ونائمة بوداعة ولكن ليس براحة .. اخذ وقته بتأمل وجهها الصبوح ورموشها الطويلة البنية .. زئر قلب الليث عشقا ..
وهمس باسمها عدة مرات ففتحت عينبها ببطىء .. ثم ابتعدت بتوتر بينما قال هو بابتسامة :
- صباح الخير
ردت بتلعثم تقف على قدميها :
- صباح الخير .. كيف حالك اليوم ؟!
- بخير .. لا تقلقي
قامت إلى الحمام دون كلام وحين خرجت وجدته سيخرج من الجناح فسألت بعفوية :
- إلى أين انت ذاهب لازلت مريضا ؟
التفت اليه قائلا :
- ذاهب إلى جناح جدي ..
ثم أكمل طريقه وهو يكمل بمرارة :
- لا تخافي يا زوجتي العزيزة فلن تقتلني الحمى
لم يسمع همسها المرتعب :
- بعيد الشر عنك
طرق ليث باب جناح جده ببطيء .. مر بعض الوقت قبل أن يسمع صوت جده سامحا له بالدخول ففتح الباب ودخل بتؤدة قائلا بلا تعبير .. مازال لم يسامح جده على ما فعله بهما بعد .. إيلين لا تحبه وقد بدأ يصيبه اليأس في انها ستحبه يوما .. :
- صباح الخير يا جدي
أجابه جده بابتهاج :
- صباح الخير يا ولدي .. اقترب
اقترب ليث ليقبل يد جده قبل أن يقول :
- اريدك فى امر هام يا جدي
قال الجد بوقار وهي يستند بيديه الاثنتين إلى عصاه :
- تكلم يا ولد .. انا اسمعك
أخذ ليث نفسا عميقا قبل ان يقول :
- انا اريد السفر الى الخارج ..
لمع الأمل فى عيني الجد وهو يسمع ليث يكمل :
- أريد اجراء الجراحة ..
ثم صمت قليلا قبل ان يكمل :
- لا أريد أن يعرف أحد ولا حتى ابي وامي
تساءل الجد :
- لماذا يا ولدي ؟! سيفرحون بالتأكيد
تنهد ليث قبل أن يقول بمرارة :
- لأني لا أضمن نجاح الجراحة ولا أريد أن يحزن أحد يكفيني جراح روحي فلا أريد تحمل المزيد من جراح الآخرين لأجلي
جاء دور الجد ليتنهد قبل أن يقول :
- حسنا يا ولدي .. سأكلم حسن كي يحجز لنا تذكرتين فى أي طائرة مغادرة خلال يومين .. كما سأخبره ان يخطر المشفي هناك
اومأ ليث بصمت وملامحه جامدة .. انها آخر فرصة له .. هيا يا ليث فلتكن شجاعا للنهاية .. أخرجه صوت الجد من افكاره وهو يتساءل :
- ماذا عن زوجتك يا ولدي .. ألن تخبرها ؟!
رد ليث بسرعة وبعنف مبالغ فيه :
- لا لا لا .. إلا هي .. لا أريدها أن تعرف أبدا
نظر إليه جده ببعض الدهشة قبل أن يقول :
- كما تريد يا ولدي .. جهز أغراضك وانا سأتكفل بإخبار العائلة بحجة لسفرك
**********
(٦)
الفصل السادس
بعد يومين ..
نظر إلى من نافذة الطائرة التي تجاوره .. السماء ممتدة امامه بلا نهاية فى ملكوت خالق الكون .. تنهد بصوت مسموع متوتر للمرة المائة تقريبا فسمع جده يقول بحنق :
- استغر الله العظيم .. ماذا بك يا ولد .. انت لست طفلا صغيرا لكل هذا الخوف .. كن رجلا وواجه مخاوفك بدل الهروب منها
رد بهدوء وهو يتطلع إلى السحب :
- لست أهرب يا جدي .. ولست خائفا .. انا فقط اخشي الإحباط مجددا
قال جده بصرامة :
- لا احباط هذه المرة .. توكل على ربك وسيكون كل شيء بخير ..
اومأ ليث برأسه بصمت وهو يتذكر كيف كان حال إيلين حين علمت بسفره .. أمطار من الاسئلة انهالت على رأسه مما زاد من استغرابه .. سألته عن المدة فأجاب :
- لا اعلم .. ربما شهر ..
شهقت باستنكار وهي تقول :
- شهر بأكلمه .. أي عمل يتطلب شهرا كاملا لإتمامه ؟!!
أجاب بحزم وهو يتجنب عينيها المتسائلتين :
- انه عملي انا يا صغيرتي ..
واجه انتقاضا كبيرا من كل أفراد العائلة بلا استثناء على تركه لعروسه والسفر بعد اسبوعين من الزفاف ولكن ردعهم الجد بصرامة وهو يخبرهم انه يحتاج اليه ..
فى منزل العائلة الكبير كانت إيلين تجلس بجوار نافذة جناحها .. عيناها تحومان فى فراغ الحديقة .. لقد سافر ليث .. أليست هذا ما كنت تتمناه .. ان تعود حرة مرة اخرى ولو لفترة قليلة .. لم تشعر يوما بأن ليث يقيدها ولكنها كانت تتمني حريتها المزعومة بالفعل .. زفرت بضيق وهي تغمغم فى نفسها :
"لماذا تعاكسني الدنيا دائما كل الناس يقولون ألا ليت المطالب بالتمني ..لأن أمنياتهم لا تتحقق .. اما انا ما ان تمنيت حتى سافر .. ما هذا الغباء !! "
خرجت من جناحها وهي تتجه الى جناح امها كي تجد من يؤنس وحدتها بينما هي فى طريقها اصتدمت دون عمد بسامر الذي كان يعبث بهاتفه .. فقال هو بمرح :
- مرحبا إيلين
ردت بصوت باهت :
- مرحبا سامر .. كيف حالك
تنهد بغرام وهو يغمغم :
- بألف خير .. لقد تحدد موعد زفافنا انا وميسون ما ان تنتهي من امتحاناتها مباشرة
لم تتغير تعبيرات وجهها سوى شبه ابتسامة شقت طريقها إلى شفتيها وقالت :
- مبارك يا ابن العم .. سعيدة من اجلك
ابتسم سامر وهو يقول :
- ما رأيك أن نجلس قليلا فى الحديقة .. سأنادي ميسون والباقين ونجلس سويا ..
هزت رأسها نفيا وهي تقول بمجاملة :
- شكرا لك سامر ولكني سأمر على امي ثم اعود للنوم فأنا متعبة
سأل بقلق :
- ماذا بك عزيزتي ؟؟ تبدين مختلفة !
ثم تساءل بخبث :
- أم اضناك الشوق إلي الحبيب الغائب بهذه السرعة ؟!!
احمرت وجنتاها بقوة وهي تضربه على كتفه كالأيام الخوالي قائلة :
- اغرب عن وجهي يا سامر .. اغرب عن وجهي قبل أن انادي ميسون واشكوك اليها وستعاقبك هي بطريقتها
تعالت ضحكاته وهو يهز رأسه مستسلما :
- آسف سيدي الشرطي سأذهب الآن ولن ترى وجهي مجددا
ثم غادرها بينما ابتسمت هي متجهة إلى جناح امها .. طرقت الباب ودلفت الى الداخل .. تعلم بعدم وجود والدها فقد رأته خارجا من المنزل منذ قليل .. جلست بجانب امها وهي تحاول الابتسام قائلة :
- مرحبا امي
قالت امها بجفاء :
- مرحبا
سألت بلطف :
- ماذا بك امي ؟! لماذا تعاملينني بتلك الطريقة الجافة ؟
التفتت اليها امها بقهر :
- تأتين الان وتسألين ماذا بي ؟ .. ببساطة ابنتي الوحيدة تزوجت رجلا قعيدا ورغما عنها والتعاسة ترتسم بخطوط واضحة على ملامحها والجميع يلاحظ .. ابنتي انا .. ابنة ثريا القاسمي
قاطعت إيلين امها وقد غطى الجفاء نبرتها :
- لقد اسمعتني هذا الكلام ألف مرة منذ زواجي يا امي .. وقد أصابني الملل منه ثم لا تنعتي ليث بذاك المسمي البغيض مرة أخرى ..
قالت امها بسخرية :
- إنها الحقيقة
ردت إيلين بضيق :
- إنها إرادة الله يا امي .. لا دخل لنا بها
صاحت امها بحنق :
- لماذا ابنتي انا ؟! لماذا ؟!
صاحت إيلين وهي تتجه ناحية باب الجناح :
- لأنها ارادة الله أيضا وانا بدأت اشعر بالرضا وعليك هذا أيضا ..
ثم خرجت وأغلقت الباب خلفها وتركت ثريا ترغي وتزبد ..
*********
اسبوع صعب مر ..
لم يتصل بها ليث ولا لمرة واحدة .. لم يطمئنها على وصوله سوى انها سمعت احد اعمامها يتصل بجدها .. لم يتصل ليث ولم تتصل هي .. ان لم يهتم بها فلم تهتم .. تنهدت بحنق .. لماذا تهتم من الاساس ؟؟ تعاند نفسها بقوة ولن تتصل مهما حدث .. لم تدر بأنه طوال الاسبوع الفائت كانوا يجهزونه في المشفي لإجراء الجراحة .. يغالب شوقه اليها بقوة .. لن يتصل بها سوى ليبشرها بنجاح العملية او يعود إلى بلاده متحسرا .. دخل عليه الجد غرفة المشفي الباردة وهو يمسك بيده هاتفا قائلا بصرامة :
- اتصل بزوجتك
تساءل ليث :
- لماذا ؟؟
قال جده بنبرة حازمة :
- لأني اراقبك منذ وصلنا الى هنا وانت لم تتصل بها ولو لمرة واحدة
ابتلع ليث ريقه بتوتر بينا أصر الجد وهو يطلب رقمها :
- هيا تحدث اليها .. لقد طلبت لك رقمها ..
تناول ليث الهاتف وانتظر قليلا قبل ان يأتيه صوتها الرقيق :
- جدي ..
ظل صامتا وهو يتنفس بصوت عالٍ من فرط تأثير صوتها على اذنيه .. سمعها تعاود الكلام مجددا باستغراب :
- جدي !!
خرج عن صمته وهو يقول بحشرجة ونبرة خشنة تتحكم بصوته :
- كيف حالك ؟؟
اتسعت عيناها وتقافزت نبضاتها بجنون وهي تستمع لصوته .. همست بخفوت :
- ليث ..
ابتسم .. اتسعت عينا جده بذهول .. حدثت المعجزة وابتسم حفيده الذي لم يفارقه عبوسه وكأنه قد ترك روحه قبل أن يغادر .. أعاد ليث السؤال بصوت حنون خصها به وحدها :
- كيف حالك يا صغيرتي ؟
همست مرتجفة :
- بخير .. كيف حالك انت ؟
غمغم وهو يتنهد :
- بخير
ران الصمت للحظات قبل أن تسأل إيلين بضيق خفي :
- لماذا لم تهاتفني ولا مرة طوال الاسبوع الماضي ؟!
أغمض عينيه بحرقة .. لماذا تظهر اهتماما ليس حقيقيا .. فقط لتكون مثالا لزوجة مخلصة تهتم بزوجها .. قال بخشونة فظة :
- اخبرتني من قبل أنك تكرهين القيود .. ها انا قد سافرت وسأغيب لأسابيع .. لن تجديني حولك لتتذكري في كل ثانية القيد الذي يربطك بي
شهقت باستنكار وألم وقد راعها ألم صوته .. ماذا به يتذكر كل كلمة تقولها .. ألا ينسى ابدا .. همست باستنكار ونبرة مرتجفة :
- لماذا تصورني بهذه البشاعة .. انا كنت فى حالة غير طبيعية وقتها فلا تلمني .. انا لست سيئة لهذه الدرجة يا ليث
انهت كلماتها بصوت متهدج باك وصله واضحا .. فسارع هاتفا بأسى وقلبه يتضخم بعشق لم يعد له سيطرة عليه :
- لا تبكي يا حبيبتي لا تبكي .. انا لم اقصد هذا ابدا
توقفت دموعها كما توقفت شهقاتها وصمتت تماما وعيناها متسعتان بقوة قبل أن تهمس متسائلة بقلب نابض بقوة :
- بماذا ناديتني ؟
فتح فمه ليجيب وقد فاض به الكيل ولن يستطيع احتمال كتمان ما بداخله اكثر لولا أن طرق الباب أحد الاطباء لكي يخبره بأنه عليه أن يجهز نفسه لأنهم سيجرون له الجراحة اليوم فقال بسرعة وبصوت غريب :
- هناك عمل عاجل علي القيام به يا صغيرتي .. سأهاتفك قريبا ..
ثم أغلق الخط وهو يسلم نفسه للأطباء ومساعديهم متستلما لمصيره ولا يدري ما يخبئه له المستقبل .. على الجهة الأخري كانت إيلين تهمس لنفسها بذهول :
- ناداني بحبيبته .. هل ناداني بهذا اللقب بالفعل ام أنني اتوهم بفعل شوقي الغريب اليه ؟!
**********
الفصل السابع
انتفضت من نومها تلهث بقوة وهي تهتف باسم ليث دون توقف .. شعرت بمن يفتح باب الحجرة بسرعة وهي تنفجر باكية بحرارة .. شعرت بمن يضمها إليه وصوت والدته تقول بجزع :
- اعوذ بالله من الرجيم .. ماذا بك حبيبتي .. ماذا بك ؟؟
شهقت باكية بمرارة وهي تجيب :
- نفس الكابوس .. نفس الكابوس الذي أراه من اسبوع ..
قاطعته امه وهي تقول :
- ان كان حلما سيئا فلا تقوليه يا ابنتي .. وتعوذي بالله من الشيطان الذي يوسوس لك ..
استعاذت ايلين فى سرها بينما جلست والدته معها قليلا قبل أن تتركها لتنام .. استلقت على السرير تناظر السقف بجمود وقد نضبت دموعها .. لم تسمع عنه منذ آخر مكالمة .. ينتابها شعور مؤلم بالنبذ .. ألهذه الدرجة كانت حملا ثقيلا عليه .. لم يتحمله اكثر من بضعة ايام قبل ان يسافر .. تراه فى الكابوس كل ليلة يتعرض لحادث سيارة اليم .. تعلم ان الكابوس قد حدث بالفعل قبل سنوات ولكنها تخاف أن تعاد الكرة .. نعم تخشي عليه ولن تنكر .. لا تريد خسارته .. طوال عمره كان له مكانة خاصة فى قلبها ولكنها تشعر بتلك المكانة تكبر هذه الايام .. مكانة لا يستحقها لهجرانه لها كل تلك المدة .. لا اتصال ولا سؤال .. اشتاقت اليه .. افتقدت تحركات كرسيه فى جناحهما .. تشعر بالفراغ في غيابه .. ابتلعت ألمها وهي تغمغم :
- باقي من شهر غيابك المزعوم ثلاثة أيام .. ثلاثة ايام فقط يا ليث وسأعاقبك بطريقتي
على تلك الكلمات قامت من فراشها وهي تفضل صحبة امه على كوابيسها المعتادة ..
فى المشفي .. لا يصدق .. لا يصدق انه يقف على قدميه مجددا .. لقد تعب وثابر فقط لأجلها .. لأنها تستحق منه كل خير .. تستحق الأفضل .. شمسه الصغيرة .. منذ اخبره الاطباء أنه يستطيع الوقوف على قدميه البارحة وهي يعاني من صدمة متاخرة .. لقد كاد يقفز فرحا كالاطفال لولا تعليمات الطبيب بانه يجب ان يرتاح .. تلاشى عبوسه الدائم .. تلاشى اكتئابه .. بينما جده يراقبه بحنان قائلا بمداعبة :
- كفى يا ليث .. لست أول ولا آخر رجل يجري جراحة ناجحة
ابتسم بحرج دون ان يرد بينما ينظر الى نفسه فى المرآة مجددا .. لقد قارب ان ينسي كم هو طويل تقريبا .. تحولت أفكاره دون وعي إليها .. دائما تتحول افكاره اليها .. فكر فيها كيف ستشعر .. هل ستفرح ؟؟ هل ستعبر عن فرحتها ببضع كلمات تريح بهم قلبه المكلوم عشقا .. تخيل ملامحها المصدومة وتخيل وهو يكاد يجن من فرط شوقه اليها .. فقط ثلاثة ايام .. تجلد يا ليث تجلد .. هكذا همس لنفسه وهو يخرج هاتفه ليتصل بأمه .. ما ان فتحت امه الخط حتى بادرها هاتفا بابتهاج :
- امي الحبيبة .. كيف حالك ؟!
جاوبه صمت مطبق فقال مرة اخرى بقلق :
- امي .. هل انت بخير
جائه صوت بارد .. متألم :
- انا لست امك .. انا إيلين
فتح فمه ليرد ولكنها سبقته قائلة بسخرية مريرة وقليها يؤلمها بقوة :
- تسأل عن كل الناس إلا انا .. صحيح ؟!
همس بتحذير :
- إيلييين .. اصبري لتسمعي اسبابي
قالت متهكة وبنبرة مرتعشة :
- اسبابك لنفسك يا ليث .. أما انا فعندما تعود س...
سارعها قائلا بشراسة وهو يدور فى غرفة المشفي بعد خروج جده كليث حبيس :
- عندما اعود ماذا ؟؟ لا تفكري لمجرد التفكير بأنك ستبتعدين عني
رغما عنها ابتسمت من بين دموعها .. انه متمسك بها دون سبب .. ولكنها آثرت أن تكمل ما بدأته وهي تقول :
- انا لم اقترب من الأساس لابتعد يا ابن عمي .. ولكني فقط سأريحك من حملي الثقيل الذي يثقل كاهليك كما يبدو .. حتى انك استحينت اقرب فرصة لتسافر
أغمض ليث عينيه بغضب قبل أن يفتحهما قائلا بقوة :
- انا لن احاسبك على كلامك هذا الآن يا ايلين .. سآتي لاحسابك بنفسي .. انا سأصل الى البلاد الغد صباحا ..
اغلق الهاتف وهو يغمغم بضيق :
- هذا ما كان ينقصني
**************
- حمدا لله على سلامتكم .. حمدا لله على سلامتكم ..
هتفت به ام ليث وهي تميل لتقبل رأس ابنها الجالس على كرسيه المتحرك بينما الجد مبتسم وهو يقول :
- اتركيه ليلتقط انفاسه يا زينب .. نحن قادمان من سفر طويل ..
دلفوا الى المنزل وليث يتحرك بكرسيه وهو مصر على أنها ستكون اول من يعلم .. يدور بعينيه بحثا عنها .. اقنع الاطباء بصعوبة لكي يتركوه يخرج على شرط ان تكون هناك ممرضة متمرسة بجواره تعطيه الادوية بانتظام شديد لمنع الانتكاسات ..تحركوا بطائرة جده الخاصة بدلا من رحلة الطيران العادية بسبب اصراره على العودة .. تغلب عليه فضوله وهو يسأل :
- اين إيلين
راعه أن تنهدت امه بحسرة وقالت :
- منذ البارحة وهي على حال غريب .. لم تذق طعام العشاء ولا افطار اليوم .. لم تخرج من غرفتكما حتى
قال ليث بتململ وقد بدأ القلق يصيبه عليها :
- حسنا .. سأصعد اليها يا امي ..
اومأت امه بحنان بينما صعد هو لا يكاد يطيق صبرا ليخبرها ..
طرق الباب عدة مرات بخفة ولا مجيب .. فقام بفتحه وهو ينادي اسمها بخفوت .. وجدها تقف ممسكة بطرف إطار النافذة ولا تبدو انها تسمعه .. فاقترب منها بحذر كي لا يجفلها ولكنه ما ان مد يده حتى يمسك بيدها حتى انتفضت شاهقة بعنف .. فتراجع بكرسيه للخلف بحركة سريعة حتى كاد يقع على ظهره وجرحت عجلات الكرسي راحة يده فسارعت هي بإمساك مسندي كرسيه المتحرك وهي تعيده إلى وضعه الصحيح بصعوبة وهي جاثية على ركبتيها تتنفس بسرعة بينما تقول بكلمات متقطعة :
- يا الهي لم اقصد .. انا .. انا آسفة
ابتسم ليث ساخرا وهو ينظر إلى راحة يده مغمغا :
- لم يكن هذا هو الاستقبال الذي توقعته ولكن لا بأس ..
زمت إيلين شفتيها وهي تخفض بصرها بتأنيب .. كيف له أن يغيب ويعود كيفما يشاء .. أليس لها مكانة فى حياته ولو بسيطة .. اتسعت عيناها بذعر وهي تنظر إلى الجرح الطولي في راحة يده والدم النازف منها رفعت عينيها اليه وهو تمسك براحة يده قائلة بهلع :
- يا الهي لقد جرحت
نفض يدها بيعدا عن يده وهو يرفع كفيه ليحيط بهما وجهها هامسا باختناق وعيناه تدوران على وجهها .. يرتوي من ملامحها الحبيبة دون كلل :
- اشتقت اليك
اندفعت الدماء حارة ساخنة إلى وجنتيها وهي تهرب بعينيها بعيدا قبل أن يجذب وجهها إليه ليقبل جبينها بعمق .. بينما تسارعت انفاسها هي .. ما معني هذا !! .. ابتعد عنها ليث وهو يطيل النظر إلى عينيها .. ثم وفى لحظة واحدة التمعت عيناه خبثا فنظرت هي اليه باستغراب فقال هو بصوت غريب .. وكأنما يكتم ضحكة :
- اذهبي لإحضار ما اعقم به جرحي من الحمام
قامت متعثرة وهي تتجه الى الحمام وليث يقول بداخله .. ستنظر إلى المرآة ثم .. استعداد .. انطلاق ..
وسمعها تصرخ بذعر :
- ليييييث .. ماذا فعلت بوجهي ؟
انفجر ضاحكا بقوة وهو يستعيد مظهرها قبل ان يقول بصوت عال :
- لم افعل شيئا
ولكنها كانت تستمر فى الكلام بهلع وهي تغسل وجهها :
- يا الهي لقد شوهت وجهي .. كيف لم اشعر بذاك الجرح ..
هتف ليث مرة أخرى :
- الدم من جرح يدي أنا يا صغيرة .. وجهك لم يصبه شيء لا تخافي
غسلت وجهها وخرجت اليه بغضب واقتربت بسرعة وهي تلوح بسبابتها هاتفة بحنق :
- ايها الأحمق .. لقد افزعتني
ابتسم متفكها وقال :
- لقد أفزعت نفسك بنفسك لتسرعك .. ثم انا عندي لك مفاجأة
عبست وهي تغمغم :
- لا اريد شيئا منك
قال بصرامة :
- هيا استديري ولا تنظري إلي حتى اسمح لك
استدارت بتبرم وهي تعقد ذراعيها حول جسدها بضيق بينما وقف ليث على قدميه ببطء قبل ان يغمغم بعينان غائمتان بالبهجة :
- هيا استديري يا صغيرة
استدارت بسرعة وعشقها للمفاجئات يتغلب عليها .. ثم ..
ذهول ..
صدمة ..
وهي تتطلع إلى وجهه بعينان متسعتان ثم تعود لتمر بعينيها عليه من رأسه إلى اخمص قدميه وهي تهمس :
- ك .. كي .. كيف .. فعلت هذا ؟
غمغم بابتهاج :
- انها ارادة الله يا صغيرة ..
ولم يبد انها سمعته .. فقط اقتربت وكأنها مغيبة لا تنفك ان تنظر اليه من اعلاه لأسفله وهي تغمغم وخافقها يكاد يقفز من مكانه بفعل جنون دقاته ودموع متأثرة تتجمع في مقلتيها لتغطي عسل عينيها بغلالة شفافة :
- يا الهي ليث .. يا الهي
حاول الكلام فسبقته هي قائلة بسعادة مذهولة ودموعها تنهمر على وجنتيها بسخاء :
- انت تقف يا ليث انت تقف ..
ابتسم هامسا :
- لقد لاحظت هذا
فاجأته بأن قفزت تتعلق بعنقه وهي تصيح بسعادة جنونية :
- يا الهي .. انت تقف .. انت لن تحتاج إلى الكرسي بعد الآن ..
ثم عادت إلى مكانها وهي تضحك باكية بجنون محيطة وجهه بكفيها هاتفة :
- انا لا اكاد اصدق نفسي يا ليث .. يا الهي لا اكاد اصدق نفسي ..
كان عليه الدور لينظر اليها بذهول فأعادت يديها إلى جانبها بسرعة قبل أن تمدها لتمسك بيده قائلة بلهفة ورجاء :
- أيمكنك المشي ؟؟ ارجوك اخبرني انك تستطيع المشي
اومأ مسحورا بسعادتها والتي نطقت بها ملامحها بوضوح وهو يخطو إلى الأمام خطوتين .. فتركت يده وهي تغطي وجهها بكفيها وتنفجر باكية بحرارة وهي تغمغم :
- الحمدلله .. الحمدلله ..
اتسعت عيناه بصدمة تحولت تلقائيا إلى كلمات وهو يقول :
- لماذا تبكين الآن يا صغيرة ؟
لم ترد عليها وهي تشهق باكية ودموعها تنهر كسيل من الامطار فجذبها اليه بقوة يضع رأسها على كتفه ويثبتها بكفه يده وهو يغمغم يريد تهدئتها :
- حسنا .. حسنا الآن توقفي عن البكاء .. ظننتك ستكونين سعيدة
حررت احدي يديها وهي تضربه على صدره بقبضتها وهي تهمهم ببكاء :
- انا ابكي لأنني سعيدة ..
دون إرادة منه ابتسم وهو يقول مداعبا ايها برفق :
- يجب علي ان اعتاد على تقلبات مزاجك الغريب هذه الايام ..
ابتعدت عنه مبتسمة من بين دموعها .. بدت لوحة فنية بارهة الجمال .. لا يستطيع إخراجها اكثر الفنانين ابداعا على وجه البسيطة .. تخضب وجهها بحمرة الخجل لنظراته ثم تقارب حاجباها باستغراب وكأنها تذكرت شيئا .. ثم لم تلبث ان قالت :
- انت كنت مسافرا لتجري الجراحة .. أي أنك كنت فى مشفي طوال هذا الوقت
عقد حاجبيه مستغربا وقال :
- اظن هذا ..
همست لنفسها بصوت وصله يحمل بهجة واضحة :
- اذن انت لم تهملني بارادتك
لم يرد بينما سأل هي :
- ايعرف أحد ؟؟
هز رأسه نافيا .. فهتفت بسعادة :
- اذن هيا .. ماذا تنتظر
ثم اكملت بلذة وهي تحدث نفسها :
- كم اتوق لأري نظراتهم لك وانت تقف على قدميك بجواري .. يا الهي اتمني ان يموتوا كمدا
جلجلت ضحكته عناء السماء وهو يقول :
- لماذا تقولين هذا الكلام .. انها عائلتنا يا عزيزتي
هتفت بغيظ :
- انهم عائلة نصفها بغيض بشدة
ثم نظرا الى عينيه واكملت :
- وانت لا يجب عليك ترك حقك من الان فصاعدا .. هم لم يتوانوا يوما عن اظهار شماتتهم بك ولكنك الآن .. ان سكت عن حقك فلن اسكت انا
**********
الفصل الثامن :
بعد شهر ..
حياتهم تمر على وتر مشدود .. لا يتحدثون سويا إلا لماما .. وضعهم كما هو لا يتغير .. سوى ان فترة امتحانات إيلين قد بدأت كما بدأ ليث عمله بمجموعة شركات العائلة .. فأصبح توترها أشد وهي تكاد تبكي من فرط ضغط المذاكرة عليها .. يحاول ليث أن يساعدها خصوصا أنه اخر عام ولكن لا يستطيع فهو لا يفقه في مجالاها شيئا على أي حال .. تنهد ليث وهو يغلق عينيه مفكرا .. إنها تحتاج إلى المذاكرة .. تحتاج إلي من يساعدها ويفهم مذاكرتها .. تحتاج إلى سامر .. ضرب بقبضته على المكتب امامه .. لا لا .. إلا سامر .. لكن مصلحة ايلين أولى .. تعقل يا ليث ... انتهي به المطاف ان اقنع نفسه بضرورة الاستعانة بسامر ثم تحول طريق افكاره اليها .. صغيرته التي منذ ذاك اليوم الذي عرفت به أنه يستطيع الوقوف على قدميه وهي تعتزل عنه .. يلمح بعينيها تساؤل يؤرقها يتمني لو تنطقه كي تريحه ويريحها .. لم يقترب منها من ساعتها .. يحاول جاهدا أن يترك لها مساحة خاصة كما تحب .. بمعني أصح هو يحب أن يفعل كلما تحبه هي .. تنهد مرة أخرى وهو يلتقط هاتفه ليحادث سامر على مضض يطلب منه ان يتفرغ لإيلين في المساء ثم اغلق وهو يتنهد بتعب مرة أخري
**********
في غرفتها جلست إيلين تقرأ في دفتر مذكرات وجدته في احد الادراج .. كانت تقرأ ودموعها تنهمر بغزارة للكلمات الموجعة التي خطها ليث بيده .. اذن كان يتعذب .. كان يحبها ويخفي .. وهي الآن لا تعلم ما تشعر به .. إنها فقط لا تريد ان تبتعد عنه .. تشعر بالسعادة عندما يدللها .. تعشق الحنان الذي يغزو سواد عينيه كلما ينظر إليها .. تعشق !!
للمزيد من القصص والروايات تصفح قسم الروايات بالموقع
هل قلت عشق !!
هكذا حدثت نفسها قبل أن تهمس لنفسها بتقرير .. انا احبه .. انا احبه يا رب الكون ..
ثم عادت دموعها للانهمار وهي تتذكر كم آذته وهي تشعره بحبها الوهمي لسامر .. تستطيع الآن تفسير غيرته ..
ليث الحبيب .. اه يا ليث لماذا لم تخبرني ؟!
عدلت وضع الدفتر في مكانه وهي تغلق الدرج في نفس اللحظة دخل ليث فجأة وهو يلقي سلاما خافتا ولم يلمح دموعها فرفعت يدها تمسح دموعها وهي ترد سلامه بخفوت وعيناها تتابعان ملامحه الحبيبة .. إنه وسيم .. وسيم للغاية في الواقع .. لاحظ ليث نظراتها فعقد حاجبيه وهو يسألها :
- لماذا تنظرين إلي هكذا ؟
ظلت على شرودها ولم ترد عليه وهي تحدق بوجهه فنادها بحيرة :
- ايلين ..
انتبهت اليه فجأة وهي تهز رأسها لتنفض عنها افكارها وهي تتمتم :
- نعم
اعاد سؤاله بنبرة حائرة :
- لماذا كنت تحدقين بي هكذا ؟
غمغمت بشرود ونبرة محبة :
- كنت أفكر أي محظوظة انا
رغما عنه أفلتت منه ضحكة ساخرة قصيرة وهي يعيد كلمتها بتهكم :
- محظوظة ..
هزت رأسها وهي تقترب لتجلس بجانبه على الأريكة الواسعة بغرفتهما :
- أتصدق اني لا اشعر بالندم .. انا حتى لست عاتبة على جدي .. لا احمل اي ضغينة تجاه احد
أغمض عينيه بقوة وهو يحارب تأثير كلماتها عليه .. يحارب لسانه لكي لا يسألها ان كانت لا تزال تشعر بشيء تجاه الآخر .. لا يستطيع نسيان نظراتها اليه يوم الزفاف .. أخرجه من افكاره ان نادته برقة :
- ليث ..
لم يرد عليها وهو يقول بصوت غريب وهو ينظر إلي عينيها :
- سيأتي سامر اليوم ليساعدك في الدراسة
رغما عنها توترت وآلمها قلبها لأنها تعلم ما يشعر به .. اهتزت حدقتاها وهي تنظر إلي عينيه .. توترها كان كافيا ليزيد من حرقة قلبه لولا أن قالت بصوت عادي :
- اهلا وسهلا به .. رغم أنني لم اكن بحاجة اليه ..
ظل ينظر إلي عينيها بألم .. وعيناه الحبيبتان تبثان رسائل صامتة إلى عينيها .. وهي تفهم وتقدر .. لهذا غمغمت :
- ليث هل يمكنك ان تكون صديقي لبضع لحظات .. انا اريد ان اتكلم .. اريد الفضفضة بما يجول في قلبي ..
اختلجت عضلة فكه وهو يذكر اخر جلسة صراحة بينهما .. ولكنه قال بصوت رخيم :
- كما تريدين ..
لم تكد تفتح فكها لتتكلم حتى سمعوا صراخا من الخارج فانتفضت برعب بينما هب ليث واقفا ليخرج من الغرفة سائلا عما حدث .. وهنا جائته ثريا تصرخ وتولول :
- حادث سيارة .. سيارة كبير العامرية
اتسعت عيناه برعب وهو ينطلق خارج البيت مع ابناء عمومته لينطلقوا إلي المشفي .. ليكتشف هول ما حدث ..
سيارة جده تعرضت لحادث راح على اثره كبير العامرية .. ولكنه لم يكن وحده .. كان معه ابنه الاصغر .. والد ايلين وهو الآن في حالة حرجة للغاية .. دمعت عيناه بقهر .. وحزن عظيم يدمي قلبه .. حزن كحزن الحاشية حين يموت السلطان الطيب الذي لن يأتي بعده من هو في مثل طيبته وحكمته ابدا .. دخل بوجل إلى غرفة والد ايلين الذي طلب رؤيته هو خصيصا .. اقترب من السرير وهو يهمس :
- عمي ..
فتح والد ايلين عينيه بصعوبة وهو يقول :
- ليث يا ولدي .. انا اعلم انها النهاية
فتح ليث فمه ليتكلم ولكن والد ايلين اشار اليه وهو يكلم :
- ابنتي .. ابنتي يا ليث .. امانة في عنقك إلي يوم الدين ..
قبل أن يغمض عينيه وهو يغمغم الشهادة بسلام .. فاتسعت عينا ليث بارتياع .. لا .. ايلين لن تحتمل فقد والدها .. تمتم في سره عدة مرات
يا رب هون ..
يا رب هون ..
وجد ايلين تقتحم الغرفة فجأة وهي تصرخ :
- ابي
امسك بها ليث يهدأها وهو يقول :
- رحمه الله يا حبيبتي رحمه الله ..
انفجرت باكية وهي تصرخ :
- لا يا ابي لا تذهب ..
ثم هدأت نبرتها :
- ليس لي غيرك في الدنيا يا ابي ارجوك لا تتركني وترحل
ضمها ليث إليه بقوة لتهدأ وهو يخرج بها خارج الغرفة وهي لا تكف عن البكاء بينما ليث يغمض عينيه مخفيا حزنه عنها ..
يا رب الصبر يا ولي الصابرين ..
يا رب الصبر ..
************
الفصل التاسع :
أيام عصيبة مرت وقلبه يتمزق لحالها .. أجلت امتحاناتها للعام القادم وهي تعتكف في غرفتهما لا تتحدث لأحد .. دائمة الشرود .. حتى لا تنظر اليه .. تأكل فقط ما يبقيها حية .. لا ترد على كلامه مهما حاول أن يحدثها .. ولكنه ما ان دخل اليها بعد ايام حتى التفتت اليه وبعينيها توسل غريب جذبه ليجلس بجانبها وهو يناديها بما يشبه الرجاء :
- ايلين .. ارجوك تحدثي الي .. لا تتركيني قلقا على حالك هكذا
ظلت تنظر في عينيه بخوف دفين .. مات جدها ووالدها ولم يبق لها سواه .. ترى هل سيتركها .. حتى لو كان يحبها فما من رجل في الدنيا يرضي بامرأة تحب آخر .. ترجم لسانها افكارها فهمست باسمه بحزن :
- ليث
بانت اللهفة واضحة في عينيه فاكملت :
- هل ستتركني ؟
ارتد مصعوقا وقد فهم سؤالها بطريقة خاطئة .. فكر كثيرا بالموضوع .. فكر انها ستريد التحرر منه وهو لا يريد الضغط عليها ولا فرض نفسه عليها .. ان كانت لا تريده فيمكنها الطلب ببساطة :
- لماذا تسألين هذا السؤال ؟
اخفضت عينيها لتخفي غلالة الدموع التي بدأت تتكون فيهما بينما همست باضطراب :
- لقد توفي .. جدي .. أي ليس هناك ما يدفعك للتمسك بي ..
حسنا لقد صدق ظنه انها تريد التحرر ولا تريد جرحه لذا
قال بصوت بدا غريبا على صوته وكأنه يحارب قلبه :
- ان كنت تريدين الطلاق بعد وفاة جدك فيمكنني ان ..
اتسعت عيناها برعب وهي تضع يدها على شفتيه مغمغمة بارتياع وصوت متقطع متخيلة تركه لها تتخبط بين جنبات الحياة بضياع دون سند .. متخيلة حياتها بدونه وقلبها الكسير :
- لا لا ليس هذا ما .. انا .. انت ..
ثم ازالت يدها وهي تهمس وخطين من الدموع ينسابان على وجنتيها :
- انا احبك يا ليث ..
كان الذهول من نصيبه هذه المرة .. ايلين .. ايلين الحبيبة تعترف بحبها .. نظرت الي ذهوله الصامت فقالت باصرار ودموعها تزداد انهمارا :
- نعم انا احبك .. ومنذ زمن طويل أيضا دون أن ادري
جذبها اليه يضمها بقوة .. وهو يغمغم بصوت متخم بعشقها الذي سكن قلبه منذ الأزل :
- لو تعلمين كم أسعدني اعترافك هذا ..
ثم ابعدها عنه وهو ينظر الى عينيها هامسا بحب صادق :
- اما عني انا فقد سكن حبك قلبي من ولادتك ..
اومأت برأسها مبتسمة من بين دموعها وهي تغمغم :
- انا اعلم هذا ..
نظر اليها بحيرة فقامت من مكانها وهي تخرج دفتره وهي تشير به اليه فعقد حاجبيه ناظرا اليها بلوم فابتسمت بقلة حيلة وهي تقول :
- انت تعلم فضولي
ابتسم وهو يهز رأسه غير مصدق لحلمه الذي تحقق امام عينيه ..
ايلين .. صغيرته وحبيبة طفولته وشبابه ..
الصغيرة التي اختارها قلبه معشوقة ابدية ..
لا يصدق سعادته ..
اللهم ادمها نعمة يا رب ولا تحرمني منها ابدا
***********
تطلعت إيلين الى الطفل الصغير بين ذراعيها بحنان .. ابن سامر يحب النوم في حضنها كثيرا .. منذ أنهت دراستها وهي لا تعتني سوى به مع غياب امه في عملها .. تنهدت وهي تعترف بداخلها انها لم تشعر بمرور كل هذا الوقت .. مر عامان منذ زواجها بليث ويعيشان سعادة لا توصف .. يحسدهم عليها كل افراد العائلة .. لا يوجد ما يحزنها سوى انها لم ترزق بطفل حتى الآن .. ويبدو على ليث انه لا يهتم بالموضوع طالما هي بجواره ولكنها تشعر بحزنه .. حتى امه الطيبة الحنون تختلف عن باقي الحموات .. لم تعقب على الموضوع او تتطرق اليه ابدا ..زينب الحنون .. يعلم الله كم تحبها .. معزتها في قلبها كمعزة ثريا رحمها الله بالضبط .. تلونت ملامحها بالحزن وهي تذكر انهيار امها ووافتها بعد والدها بأشهر قليلة .. تذكرت انهيارها هي ووقوف ليث بجوارها .. ولكن الحزن ينمحي وتبقي الذكريات .. لن تنسي والديها مهما حدث .. لم تنتبه الى الذي كان يراقبها بحزن من بعيد .. ايلينه حزينة ولا يعلم كيف يسعدها .. اقترب منها متصنعا المرح وهو يهتف :
- سأبدا في الغيرة من ذاك الصغير ؟
ابتسمت ايلين بحنان أموي فطري وهي تقول :
- ذاك الصغير هو قطعة من قلبي
ارتفع حاجبي ليث بمكر وهو يغمغم :
- ماذا عني انا ؟
غمغمت بحب وهي تقف حاملة الصغير كي تعود به الى غرفته وتريحه على سريره :
- انت قلبي كله
ترنحت قليلا في خطواتها فقالت بضعف :
- تعال احمل عني الصغير يا ليث .. لا اشعر اني بخير
سألها بقلق :
- ماذا بك ؟
قالت بصوت متقطع :
- اشعر.. بالدوار .. لا استطيع التوازن
اسندها وهو يحمل الصغير وهو يقول بقلق مضاعف :
-هل انت مريضة يا صغيرتي ؟
هزت رأسها نفيا وهي تشعر برأسها يدور في متاهات لا قرار لها قبل ان تسقط فاقدة الوعي فوضع هو الصغير على سريرهما مؤقتا وهو ينحني اليها ليحملها بين ذراعيه ليمددها على السرير بهلع وهو يخرج من الغرقة مناديا امه الي جاءت مهرولة وهي تهتف بقلق :
-ماذا بها ايلين ؟
هز رأسه بحيرة ففحصتها امه قبل تلتمع عيناها بفرح ولكنها ارادت التأكد أولا فطلبت من ليث احضار طبيب وفعل .. وبالفعل جاء الطبيب وفحصها قبل ان يرفع رأسه لليث مبتسما وهويقول :
- مبارك .. ستصبح أبا ..
اتسعت عينا ليث بذهول وهو يغمغم بتساؤل :
- ايلين حامل !!
بينما ابتسمت ايلين بضغف وعيناها تدمعان وهي تغمغم :
- الحمدلله .. الحمدلله
أمسك ليث بيديها يقبلها بحب وهو يهمس :
- ستصبحين أفضل أم في الدنيا يا حبيبتي .. ادامك الله لي رفيقة عمري
همست ايلين وهي تغلق عينيها :
- وادامك لي يا حبيبي
ثم وضعت يدها على بطنها وهي تقول بحالمية :
- ستكون رُبا ..
ابتسم وهو يعلم عشقها للاسم منذ صغرها فهمس هو الآخر :
- احلى رُبا
*****
النهاية
اقرأ أيضا : رواية ورق التوت للكاتبة منال سالم
0 تعليقات