المبخراتي ..بقلم: مصطفى رشوان

نعتقد أن الحياة لحظات، نشعر بحقيقتنا نري فيها كل شئ،
بين الواقع والخيال و الحقيقة والكذب خيط رفيع !
- عم سيد عامل إيه ياراجل يابركة بقالنا كتير مش بنشوفك ولابتهل علينا ببخورك اللي ريحته حلوة؟
-والله ياباشا السوق كان واقف اليومين اللي فاتوا دول زي مانت عارف الثورة والمظاهرات والقلق اللي في البلد خلت الناس خايفة تفتح محلاتها ربنا يهدي الحال.
-لأ ياعم سيد ماتغيبش عننا تاني وربنا كريم ياراجل ياطيب.
"يحدث نفسه قائلا : ياااه يادنيا ياللي سيد تعب فيكي لولا وجود الناس الطيبة مش عارف الواحد كان حاله هايبقي إيه؟
" تقاسيم وجهه وجلبابه البالي من آثر دخان "البخور"، شذرات الفحم المتطايرة، تَاركُ رزقه علي الله، لايفكر في شئ سوي أن يرسم علي وجوه زبائنه إبتسامة تعود له ببعض الجنيهات التي تساعده علي العيش.
"له حضور يشبه بخوره، خفيف وطيب، تَعٔرف على تجار السوق حتي الزبائن المترددين علي المحلات، في ظل الأحداث السياسية الأخيرة قلٔ وجود عم سيد خوفا علي حياته من الإشتباكات المستمرة في الشوارع ولايَسلم منها المارة، مما أدى لغلق المحلات في أوقات متقدمة من النهار.
"إعتاد أن يسمع الاحاديث اليومية التي تدار بين البائعين والزبائن بين أصحاب المحلات وتجار الجملة أحاديث الناس عن القديم والجديد مشاعر الناس أصبحت معتادة واضحة له.
"وفي صباح يوم ما ذهب ليشتري البخور من عطار بشارع الأزهر ولسوء حظه كان المحل مغلق، فذهب لمحل آخر، دكان صغير، يقبع فيه رجل طاعن في السن، ذو شعر أبيض ولحية بيضاء ناصعة، يمشي ببطئ وإنحناء، من عطارين الحي القديم الذي مر عليهم الزمن في ذلك المكان سأله عم سيد ؟
- لو سمحت عايز كيس بخور هندي ولبان دكر وحبة بركة وكيسين فحم.
"سمع الرجل طلبه بعناية ثم ذهب ليحضره ..
-حسابك كام ياحج
-كده الحساب خمسين جنيه
"لكن نظر له الرجل بتأمل شديد،
وقال: أنت شغال فين في السوق ولا الوكالة ؟
- لأ.. انا شغال في السوق، وأول مرة أشتري منك بتعامل علي طول مع عم مظهر، بس هو قافل النهاردة
-أنا عندي بخور جاي من بلد بعيدة في إفريقيا واحد حبيبي عطار كبير جابهولي وقالي ماتديهوش غير لحد يكون شغال وبياكل بيه عيش وانت شكلك راجل طيب هااديك شوية تجربهم ولو عجبك تعالي خد منه دايما ده حتي سعره ارخص من الهندي.
-ماشي ياحج السوق بردو بيحب الجديد هو إسمه إيه النوع ده ؟
_تفاح الجن! إسمه تفاح الجن دخانه خفيف مابيتشافش وريحته حلوة زي التفاح
أخذ "عم سيد كيس البخور" وذهب ليبدأ يوم جديد وغريب !
-ياهادي يارب صلوا علي النبي وصلاة النبي مكسب.
وضع البخور الجديد علي الفحم المشتعل وبدأ يميل المبخرة يمينا ويسارا وهو يحدث نفسه :
-تفاح الجن! سلام قولا من رب رحيم إيه الإسم الغريب ده يارب يطلع كويس ويعجب الزباين أهو سعره قريب ورخيص بردو .
ثم ملأ دخان البخور المكان، سراب ليس له وجود، رائحة التفاح سحرها غريب،ملئت المحل.
-ياااه ياعم سيد، ياريحة بخورك النهاردة إيه يابركة الجمال ده دي كأنها ريحة من الجنة، قبل كده ماكنش بخور كان فحم قايد
"يسمع الكلمات من صاحب المحل ثم يرتاب قليلا
-يعني إيه قبل كده كان فحم قايد! اومال كنتوا بتشكروا في ريحة البخور ليه ؟
"فجأة وبكل ترقب! إثنان يقفان في منتصف المحل ويطعن واحدا منهم الآخر في رقبته بسكين حاد والآخر في وضع إستسلام غريب، ويتمتم ببعض كلمات
- ايوة انا اللى قتلت أخوك بقصد!
" رجل آخر يجلس بالقرب من ماكينة الأموال يقضم أصابعه بأسنانه
-انا سرقت ودى جزاء ذنبى!
" ورجل يُقبل إمرأة أمام أعين زوجها ويقول له
- مانت جبرتني على طلاقها واتجوزتها انت والنهاردة هتطلقها غصب عنك!
"أطفال صغار يتحدثون عن قتلهم لقطة كانوا يربونها وكرههم للمدرسة والدراسة وحبهم لكرة القدم وإمرأة تشنق نفسها بعدما تسلقت علي كرسي وربطة طرحتها في مروحة اعلي السقف وهى تقول :
- جوزي انتحر بسبب خيانتي ودي جزاتي
"أشياء غريبة تحدث وهو تابت في مكانه يملأه الذهول خائف، كأنه يقرأ كتاب مفتوح أمامه،وجميعهم محافظين علي هدؤهم لدرجة أن المحل أصبح منفصلا عن هذا العالم الخارجي،وهو ينظر للحدث تلو الآخر في صمت وهلع.
-ياالله اللي بيحصل ده أنا مش مصدق عيني انا حتي رجلي وقفت ومش قادر أتحرك.
المبخراتي 2
بقلم: مصطفى رشوان
ظل "عم سيد" واقفا مكانه لايقدر علي الحركة كأن العالم حوله توقف فى مشهد درامي، دماء، موت، قُبل، ضحكات أطفال هيستيرية، وفجأة يتجسد دخان المبخرة امام "عم سيد " كأنه هو صورة أخري، بنفس الشكل والملامح، ينظر له سيد ويحدثه:
-إيه ده انت مين
" يرد عليه السراب: أنا أنت حقيقتك الدفينة في داخلك، انا ذنوبك وعقابك، حقيقتك وخيالك، حاضرك ،ماضيك،مستقبلك
ينظر له" عم سيد" إليه وعيناه مفتوحتان كأنهما بئرين في عالم اللاشيئ لايظهر فيهما سوي السواد .
-بس أنا معملتش ذنوب عشان أتعاقب عليها وبالنسبة للحقيقة والخيال فامش فارقة الحاضر بقي زي الماضي والمستقبل لو أنا هاأموت دلوقتي وأنت هاتاخد روحي انا مش خايف.
-لايوجد إنسان لايخطئ ولن أصارحك بحقيقة ذنبك سأترك لك هذا الأمر فقط أترك لي عقابك المناسب.
-أنا زي ماقولتلك مافيش حاجة عملتها وندمان عليها لاسرقت ولازنيت ولاقتلت ولاخنت صاحب
-ولكن ماالذي جعلك رجل بسيط هكذا لماذا لم تختار أن تكون ناجح ،غني،صاحب نفوذ واضح
ذنبك في حقيقتك رضيت باأن تكون هكذا لم تسعي إلي الأفضل؟
-أبويا كان راجل بسيط وأمي كانت ست لاحول بيها ولاقوة عندهم ٧ أولاد وانا منهم الظروف والفقر هي اللي خلتني كده .
-خلق الله لنا الاقدار وخلق لنا أيضا السعي والإجتهاد والدعاء لتغيير مصيرها أعطانا كل أسباب النجاح في الحياة لكن انت لم تسعي إلي ذلك فقط إكتفيت ورضيت بالواقع لم تجاهد لتحقيق ماهو أكبر لم تحلم يوما ما.
-أنا فعلا ماأنكرش كسلت ورضيت بالفقر رضيت بيومي زي ماهو وماعوزتش أكتر من إني الاقي شوية جنيهات من شغلانة سهلة.
-اليوم عرفت ذنبك الحقيقي وعقابك الأمثل انك تظل طول حياتك مجرد مبخراتي
.تمت
#مجلة_الشفق
بين الواقع والخيال و الحقيقة والكذب خيط رفيع !
- عم سيد عامل إيه ياراجل يابركة بقالنا كتير مش بنشوفك ولابتهل علينا ببخورك اللي ريحته حلوة؟
-والله ياباشا السوق كان واقف اليومين اللي فاتوا دول زي مانت عارف الثورة والمظاهرات والقلق اللي في البلد خلت الناس خايفة تفتح محلاتها ربنا يهدي الحال.
-لأ ياعم سيد ماتغيبش عننا تاني وربنا كريم ياراجل ياطيب.
"يحدث نفسه قائلا : ياااه يادنيا ياللي سيد تعب فيكي لولا وجود الناس الطيبة مش عارف الواحد كان حاله هايبقي إيه؟
" تقاسيم وجهه وجلبابه البالي من آثر دخان "البخور"، شذرات الفحم المتطايرة، تَاركُ رزقه علي الله، لايفكر في شئ سوي أن يرسم علي وجوه زبائنه إبتسامة تعود له ببعض الجنيهات التي تساعده علي العيش.
"له حضور يشبه بخوره، خفيف وطيب، تَعٔرف على تجار السوق حتي الزبائن المترددين علي المحلات، في ظل الأحداث السياسية الأخيرة قلٔ وجود عم سيد خوفا علي حياته من الإشتباكات المستمرة في الشوارع ولايَسلم منها المارة، مما أدى لغلق المحلات في أوقات متقدمة من النهار.
"إعتاد أن يسمع الاحاديث اليومية التي تدار بين البائعين والزبائن بين أصحاب المحلات وتجار الجملة أحاديث الناس عن القديم والجديد مشاعر الناس أصبحت معتادة واضحة له.
"وفي صباح يوم ما ذهب ليشتري البخور من عطار بشارع الأزهر ولسوء حظه كان المحل مغلق، فذهب لمحل آخر، دكان صغير، يقبع فيه رجل طاعن في السن، ذو شعر أبيض ولحية بيضاء ناصعة، يمشي ببطئ وإنحناء، من عطارين الحي القديم الذي مر عليهم الزمن في ذلك المكان سأله عم سيد ؟
- لو سمحت عايز كيس بخور هندي ولبان دكر وحبة بركة وكيسين فحم.
"سمع الرجل طلبه بعناية ثم ذهب ليحضره ..
-حسابك كام ياحج
-كده الحساب خمسين جنيه
"لكن نظر له الرجل بتأمل شديد،
وقال: أنت شغال فين في السوق ولا الوكالة ؟
- لأ.. انا شغال في السوق، وأول مرة أشتري منك بتعامل علي طول مع عم مظهر، بس هو قافل النهاردة
-أنا عندي بخور جاي من بلد بعيدة في إفريقيا واحد حبيبي عطار كبير جابهولي وقالي ماتديهوش غير لحد يكون شغال وبياكل بيه عيش وانت شكلك راجل طيب هااديك شوية تجربهم ولو عجبك تعالي خد منه دايما ده حتي سعره ارخص من الهندي.
-ماشي ياحج السوق بردو بيحب الجديد هو إسمه إيه النوع ده ؟
_تفاح الجن! إسمه تفاح الجن دخانه خفيف مابيتشافش وريحته حلوة زي التفاح
أخذ "عم سيد كيس البخور" وذهب ليبدأ يوم جديد وغريب !
-ياهادي يارب صلوا علي النبي وصلاة النبي مكسب.
وضع البخور الجديد علي الفحم المشتعل وبدأ يميل المبخرة يمينا ويسارا وهو يحدث نفسه :
-تفاح الجن! سلام قولا من رب رحيم إيه الإسم الغريب ده يارب يطلع كويس ويعجب الزباين أهو سعره قريب ورخيص بردو .
ثم ملأ دخان البخور المكان، سراب ليس له وجود، رائحة التفاح سحرها غريب،ملئت المحل.
-ياااه ياعم سيد، ياريحة بخورك النهاردة إيه يابركة الجمال ده دي كأنها ريحة من الجنة، قبل كده ماكنش بخور كان فحم قايد
"يسمع الكلمات من صاحب المحل ثم يرتاب قليلا
-يعني إيه قبل كده كان فحم قايد! اومال كنتوا بتشكروا في ريحة البخور ليه ؟
"فجأة وبكل ترقب! إثنان يقفان في منتصف المحل ويطعن واحدا منهم الآخر في رقبته بسكين حاد والآخر في وضع إستسلام غريب، ويتمتم ببعض كلمات
- ايوة انا اللى قتلت أخوك بقصد!
" رجل آخر يجلس بالقرب من ماكينة الأموال يقضم أصابعه بأسنانه
-انا سرقت ودى جزاء ذنبى!
" ورجل يُقبل إمرأة أمام أعين زوجها ويقول له
- مانت جبرتني على طلاقها واتجوزتها انت والنهاردة هتطلقها غصب عنك!
"أطفال صغار يتحدثون عن قتلهم لقطة كانوا يربونها وكرههم للمدرسة والدراسة وحبهم لكرة القدم وإمرأة تشنق نفسها بعدما تسلقت علي كرسي وربطة طرحتها في مروحة اعلي السقف وهى تقول :
- جوزي انتحر بسبب خيانتي ودي جزاتي
"أشياء غريبة تحدث وهو تابت في مكانه يملأه الذهول خائف، كأنه يقرأ كتاب مفتوح أمامه،وجميعهم محافظين علي هدؤهم لدرجة أن المحل أصبح منفصلا عن هذا العالم الخارجي،وهو ينظر للحدث تلو الآخر في صمت وهلع.
-ياالله اللي بيحصل ده أنا مش مصدق عيني انا حتي رجلي وقفت ومش قادر أتحرك.
المبخراتي 2
بقلم: مصطفى رشوان
ظل "عم سيد" واقفا مكانه لايقدر علي الحركة كأن العالم حوله توقف فى مشهد درامي، دماء، موت، قُبل، ضحكات أطفال هيستيرية، وفجأة يتجسد دخان المبخرة امام "عم سيد " كأنه هو صورة أخري، بنفس الشكل والملامح، ينظر له سيد ويحدثه:
-إيه ده انت مين
" يرد عليه السراب: أنا أنت حقيقتك الدفينة في داخلك، انا ذنوبك وعقابك، حقيقتك وخيالك، حاضرك ،ماضيك،مستقبلك
ينظر له" عم سيد" إليه وعيناه مفتوحتان كأنهما بئرين في عالم اللاشيئ لايظهر فيهما سوي السواد .
-بس أنا معملتش ذنوب عشان أتعاقب عليها وبالنسبة للحقيقة والخيال فامش فارقة الحاضر بقي زي الماضي والمستقبل لو أنا هاأموت دلوقتي وأنت هاتاخد روحي انا مش خايف.
-لايوجد إنسان لايخطئ ولن أصارحك بحقيقة ذنبك سأترك لك هذا الأمر فقط أترك لي عقابك المناسب.
-أنا زي ماقولتلك مافيش حاجة عملتها وندمان عليها لاسرقت ولازنيت ولاقتلت ولاخنت صاحب
-ولكن ماالذي جعلك رجل بسيط هكذا لماذا لم تختار أن تكون ناجح ،غني،صاحب نفوذ واضح
ذنبك في حقيقتك رضيت باأن تكون هكذا لم تسعي إلي الأفضل؟
-أبويا كان راجل بسيط وأمي كانت ست لاحول بيها ولاقوة عندهم ٧ أولاد وانا منهم الظروف والفقر هي اللي خلتني كده .
-خلق الله لنا الاقدار وخلق لنا أيضا السعي والإجتهاد والدعاء لتغيير مصيرها أعطانا كل أسباب النجاح في الحياة لكن انت لم تسعي إلي ذلك فقط إكتفيت ورضيت بالواقع لم تجاهد لتحقيق ماهو أكبر لم تحلم يوما ما.
-أنا فعلا ماأنكرش كسلت ورضيت بالفقر رضيت بيومي زي ماهو وماعوزتش أكتر من إني الاقي شوية جنيهات من شغلانة سهلة.
-اليوم عرفت ذنبك الحقيقي وعقابك الأمثل انك تظل طول حياتك مجرد مبخراتي
.تمت
#مجلة_الشفق
0 تعليقات