لحظة وداع بقلم نوران عيسى _مجلة الشفق


قصة قصيرة اهداء لكل الارواح التي تزهق دون ان تعلم لما.... 
اصبح العالم كفيلم سينمائي نشاهد فيه أرواحا تزهق وبيوتا تهدم ودماء تسيل وتاريخا يطمس ، فنتذمر بصمت على ما يدور حولنا ولا نجعل بركان التغيير بداخلنا يثور فقط غضب ساكن  وهمهمات ساخطة لا تجدي نفعا.
لم يكن يعلم وهو يطبع تلك القبلة على جبين زوجته التي لا تكف عن التذمر الدائم من سوء الحال أنها القبلة الاخيرة،
في ذلك اليوم استعدت تلك الزوجة بقائمة الطلبات تعدها له عدا وتحذره من نسيان أي شيئا منها ،ليندفع طفله ذو الخامسة إلى أحضانه يذكره بوعده له أن يشتري  لعبته المفضلة ابتسم بوجه طفله وعانقه بقوة، فنظرت زوجته إليه تتعجب حاله وتنبهه أن يسرع حتى يكون في الصفوف الاول لكي لا يتأخر بجلب الحاجيات فلقد وعدت أبناءها الذين غادروا صباحا لمدارسهم بوليمة كبيرة على الغداء، فمنذ أن علموا بأمر توزيع المعاشات التي لم توزع لعدة شهور أصبح الكل يطلب طلبا اشبه بالمستحيل لأب لا يملك سوى ذلك المعاش الضئيل ،وقد تراكمت عليه الديون طوال تلك الفترة معاشا لا يستحق أن يقال عنه معاش بل حسنة ترمى لهم بعد تعب السنين لا تسد حاجة ولا تغني من جوع، رفع ذراعه يلوح بيده يودع زوجته وطفله وقد سقطت دمعة من عينه لا يعلم سببها ،شعر بشوق كبير لهم وإلى بيته شعورا هز داخله وأصبحت خطواته ثقيلة وكأنه لا يريد أن يفارقهم تسارع لسانه رغما عنه قائلا  بجدية محتضر يوصي اهله " خديجة .. أنتبه على نفسك ولا أوصيك على الاولاد " ابتسمت وهي تهز رأسها تجيبه بكلمات رقيقة تخللت ضحكتها " أبو أحمد ماذا بك ؟!.. توصيني على الاولاد ،وكأنك ذاهبا دون عودة ... أذهب لتلحق الصفوف الامامية" أستمر يحذق بزوجته  لثواني صامتا حائرا لا يعلم لما لا تريد قدامه المغادرة، لكنه رسم ابتسامة رضاء قبل أن يغلق الباب خلفه .. ليخطو نحو مجهولا لا يعرفه .. لم يكن هو الاول أو حتى العشرون بل توافد المئات ينتظرون ... هز رأسه بندم لما لم يأتي مبكرا فربما في الصف الاول يكون ... أنتظر وأنتظر والجميع معه ينتظرون .. ولم يمضي الكثير حتى تسللت أيادي الشيطان بخطوات الموت السريع .. شابا لم يحترم ذلك الشيب ودون أي رحمة أو شفقة تركهم أشلاء .. نعم أنه أنتحر وذهب إلى الجحيم .. وأنهى معه لحظات انتظارهم الطويل .. هز صوت التفجير أرجاء المكان وتناثرت أشلاءهم على الطريق وارتفعت صراخات و أنين المصابين وذهول وفزع من لم يصاب وقد حالفه الحظ بابتعاده لحظة الغدر الغاشم  عليهم.
 ولكنه منهم كان ممن تناثرت أشلاءه ولم يجدوه ... وصلها الخبر فولولت باكية تلطم الخدود وتشق الجيوب تتردد جملته الاخيرة وتفتح عمل شيطانها بكلمة "لو" فذلك قدره أن يموت مغدورا بيد أعوان إبليس ليتقبله الله عنده مع الشهداء والصديقين ... فطوبى لكم .. وويلا لكل من سفك دما طاهر وترك جراحا تنزف وأطفالا تأن.....
#مجلة_الشفق

إرسال تعليق

0 تعليقات